تفسير الاحلام لابن سيرين – الباب الحادي عشر: في تأويل رؤيا المسجد و المحراب و المنارة و مجالس الذكر
تفسير الاحلام لابن سيرين – الباب الحادي عشر: في تأويل رؤيا المسجد و المحراب و المنارة و مجالس الذكر
أخبرنا عبد الله بن حامد الفقيه، قال أخبرنا إبراهيم بن محمد الهروي، قال أنبأنا أبو شاكر ميسرة بن عبد الله، عن أبي عبد الله العجلي، عن عمرو بن محمد، عن العزيز بن أبي داود، قال: كان رجل بالبادية قد اتخذ مسجداً، فجعل في قلبه أحجار، فكان إذا قضى صلاته، قال يا أحجار أشهدكم أن لا إله إلا الله. قال فمرض الرجل فمات، فعرج بروحه، قال فرأيت في منامي أنّه قال أُمر بي إلى النار، فرأيت حجراً من تلك الأحجار قد عظم، فسد عني باباً من أبواب جهنم، قال حتى سدت بقية الأحجار أبواب جهنم.
قال الأستاذ أبو سعد: من رأى في منامه مسجداً محكماً عامراً، فإن المسجد رجل عالم يجتمع الناس عنده في صلاح وخير وذكر الله تعالى لقوله عزّ وجلّ: {يُذكر فِيها اسمُ الله ڪَثِيراً}. فإن رأى كأنّ المسجد انهدم، فإنّه يموت هناك رئيس صاحب دين، فإن رأى أنّه يبني مسجداً، فإنّه يصل رحمه ويجمعِ الناس على خير. وبناء المسجد يدل على الغلبة على الأعداء، لقوله تعالى: {قَال الّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أمرهم لَنَتخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجداً}. فإن رأى كأن رجلاً مجهولاً أم بالناس في مسجد، وكان إمام ذلك المسجد مريضاً، فإنّه يموت. فإن رأى كأنّ مسجداً تحول حماماً، دل أنّ رجلاً مستوراً يرتكب الفسوق. ومن رأى كأن بيته تحول مسجداَ، أصاب شرفاً، داعياً للناس من الباطل إلى الحق. ومن رأى كأنّه دخل مع قوم مسجداً فحفر حفرة، فإنّه يتزوّج.
ومن رأى كأنّه يصلّي في المحراب: فإنّه بشارة، لقوله تعالى: {فَنَادَتْهُ المَلاَئكة وهو قَائِمٌ يُصلِّي فِي المحْرابِ}. فإن كان صاحب الرؤيا امرأة ولدت ابناً.
ومن رأى كأنّه يصلّي في المحراب صلاة لغير وقتها، فإنّ ذلك خير يكون لعقبه بعده. فإن رأى أنّه بال في المحراب قطرة أو قطرتين أو ثلاثاً، فكل قطرة ابن نجيب وجيه يولد له. والمحراب في الأصل إمام رئيس.
وحكي أنّ رجلاً رأى في منامه كأنّه بال في المحراب، فسأل معبراً فقال: يولد غلام يصير إماماً يقتدى به.
وأما المنارة، فهي رجل يجمع الناس على خير، وانهدام منارة المسجد موت ذلك الرجل، وخمول ذكره، وتفرق جماعة ذلك المسجد. ومنارة الجامع صاحب البريد أو رجل يدعو الناس إلى دين الله تعالى. ومن رأى كأنّه سقط من منارة في بئر، ذهبت دولته، وربما دلت رؤياه على أنّه يتزوج امرأة سليطة، وله امرأة دينة جميلة.
ورأى مهندس كأنّه ارتقى منارة عظيمة من خشب وأذن، فقص رؤياه على معبر، فقال يصيب ولاية وقوة ورفعة في إنفاق، فولي بلخ.
وقيل أنّ القعقاع ركبه دين عشرة آلاف درهم، وكان مغموماً، فرأى والده في منامه على شرف منارة يسبح الله ويهلل، فلما رآه دعاه واستيقظ، فسأل المعبر عنه، فقال إنّ المنارة علو ورفعة يصيبها أبوك. قال فإنّ أبي ميت، قال المعبر ألست ابنه؟ قال نعم. قال لعلك تكون عالماً أو أميراً، وأما تسبيحه فإنّك في غم وحزن ويفرجه الله عزّ وجل عنك، لقوله تعالى: {فَنَادى في الظلُمَاتِ أنْ لا إله إلا أنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كنْتُ مِنَ الظّالِمين}. فلم يلبث إلا قليلاً فإذا رجل قد أخذ بيده، وقال له أنت القعقاع؟ فقال في نفسه ليس هذا إلا غريم ملازم، فقال له سعدانة امرأة مريضة وهي توصي وتدعوك، قال فذهب معه فإذا جماعة من المشايخ وكتاب مكتوب أنّ سعدانة جعلت ثلث مالها للقعقاع، فأوصت له بثلث مالها وماتت بعد ثلاثة أيام.
ومن رأى كأنّه يصلي في بيت المقدس ورث ميراثاً أو تمسك ببر، وإن رأى أنّه على مصلى رزق الحج والأمن، لقوله تعالى: {واتّخذوا مِنْ مَقَام إبْرَاهِيمَ مُصَلّى}. ومن رأى أنّه يصلي في بيت المقدس إلى غير القبلة، فإنّه يحج. فإن رأى كأنّه يتوضأ في بيت المقدس، فإنّه يصير فيه شيئاً من ماله. والخروج منه يدل على سفر وذهاب ميراث منه، إن كان في يده.
فإن رأى أنّه أسرج في بيت المقدس سراجاً أصيب في ولده، أو أن عليه نذر في ولده يلزمه الوفاء به.
وأما الْعالم فهو طبيب الدين، والمذكر ناصح، لقوله تعالى: {وَذَكّرْ فَإن الذكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنينَ}. فإن رأى كأنّه يذكر وليس من أهله، فإنه في هم ومرض، وهو يدعو الله تعالى بالفرج. فإن تكلم بالحكمة شفي وقضى ديناً إن كان عليه، ونصر على من ظلمه. وإن تكلّم بالخنا تعسر عليه الأمر وصار ضحكة يستخف به. والْقاص رجل حسن المحضر، لقوله تعالى: {نَحْنُ نَقص عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصَص}. فإن رأى كأنّه يقص، أمن من خوف، لقوله تعالى: {فَلَمّا جاءَهُ وقصَّ عَلَيْهِ القَصَصَ قَاْلَ لآتخَفْ}. وإن رآه تاجر نجا من الخسران.
وإذا رأى كأنه في موضع فيه مجلس ذكر وقراءة قرآن ودعاء وإنشاد أشعار زهدية، فإنّ ذلك الموضع يعمر عمارة محكمة على قدر صحة القراءة. وإن وقع في القرآن لحن لم يكمل ولم يتم، وإن أنشد أشعار الغزل فتلك ولاية باطلة.
تفسير الاحلام لابن سيرين – الباب الحادي عشر: في تأويل رؤيا المسجد و المحراب و المنارة و مجالس الذكر