تفسير الاحلام لابن سيرين – الباب الثالث والعشرون: في تأويل الأشياء الخارجة من الانسان و سائر الحيوان من المياه و الألبان و الدماء وما يتصل بذلك من الأصوات و الصفات
تفسير الاحلام لابن سيرين – الباب الثالث والعشرون: في تأويل الأشياء الخارجة من الانسان و سائر الحيوان من المياه و الألبان و الدماء وما يتصل بذلك من الأصوات و الصفات
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: {من رأى أنه يشرب لبناً فهو الفطرة}. قال الأستاذ أبو سعد: رؤية اللبن في الثديين للرجال والنساء مال، ودر اللبن منها سعة المال. فإن رأت امرأة لا لبن لها في اليقظة، أنها ترضع صبياً أو رجلاً أو امرأة معروفين، فإن أبواب الدنيا تنغلق عليها وعليهم. وقال بعضهم من رأى كأنّه ارتضع امرأة، نال مالاً وربحاً. ومن رأى كأنّه شرب لبن فرس أو رمكة أحبه السلطان ونال منه خيراً. وألبان الأنعام مال حلال من السلطان. فإن رأى كأنّه انصبّ عليه لبن إنسان، دل على ضيق وحبس. وكذلك المرضع والراضع، أيهما كان معروفاً، فإنّ حاله في الحبس والضيق أشد من المجهول، والحلب تأويله المكر. وحلب الناقة عمالة على أرض العرب، والبختية عمالة على أرض العجم، تعمل على سنة وفطرة. فإن حلبها فخرج دماً، فإنه يجور في سلطانه، فإن حلبها سماً، فإنّه يجبي مالاً حراماً. فإن حلبها تاجر لبناً، أصاب رزقاً حلالاً وربحاً في تجارته، ودرت عليه الدنيا بقدر ما در عليه الضرع. ولبن اللقحة فطرة في الدين. فمن شرب منه أو مص مصة أو مصتين أو ثلاثة، فإنه على الفطرة يصلي ويصوم ويزكي، وهو لشاربه مال حلال وعلم وحكمة. وقيل: من حلب ناقة وشرب لبنها، دل على أنّه يتزوج أمرأة صالحة، وإن كان الرائي مستوراً، ولد له غلام فيه بركة. ولبن البقرة خصب السنة، ومال حلال، وإصابة الفطرة. وإن كان صاحب الرؤيا عبداً، عتق، وإن كان فقيراً، استغنى.
ولبن الشاة والعنز إصابة مال حلال إن كان حليباً. ولبن الأسد ظفر بعدو وقيل انّه ينال مالاً من جهة سلطان جبار. ولبن الكلب خوف شديد، ولبن الذئب مثله وربما دل على إصابة مال من ظالم. ولبن الخنزير تغيير عقل صاحبه وذهنه وقيل إنّ الكثير منه مال حرام، والقليل منه حلال، لقوله تعالى: {فَمَنْ اضْطُرّ غَيْرَ باغ ولا عاد فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ}. فقد رخص في القليل، وحرم الكثير.
ولبن النمر إظهار عداوة. ولبن الظبي نذر. ولبن الحمار الأهلي مرض يسير. وألبان الوحش كلها قوة في الدين. ولبن الضأن والجاموس خير وفطرة، ولبن الدب ضر وغم عاجل. ولبن الثعلب مرض يسير. ولبن الهرة مرض يسير أو خصومة. ولبن الفرس لمن شربه اسم صالح في الناس. ولبن الأتان إصابة خير. وظهور اللبن من الأرض وخروجه منها، دليل على ظهور الجور.
وألبان ما لا ألبان لها، بلوغ المنى، من حيث لا يحتسب. وارتضاع الإنسان من ثدي نفسه، دليل على الخيانة. وألبان النواهش واللواذع صلاح ما بينه وبين أعدائه. ومن شرب من لبن حية فإنّه يعمل عملاً يرضي الله. وقيل من شربه نال فرجاً ونجا من البلايا.
والزبد مال مجموع نافع وغنيمة، وكذلك السمن، إلا أنّ في السمن قوة لسلطان النار التي مسته. واللبن الرائب لا خير فيه، وقيل هو رزق من سفر. والحامض المخيض رزق بعد هم، ووجع، وقيل هو مال حرام ومعاملة قوم مفاليس، لأنّ زبده قد نزع منه، وقيل إنّ شاربه يطلب المعروف ممن لا خير فيه. والشيراز استماع كلام من النسوة. والأنفحة مال مع نسك وورع.
وأما الجبن فإنّه مال مع راحة، والرطب منه خير من اليابس، ومال حاضر للرائي وخصب السنة. وقيل إن الجبن اليابس سفر، وقيل إن الجبنة الواحدة بدرة من المال. ومن رأى كأنّه يأكل الخبز مع الجبن، فإنّ معاشه بتقتير، وقيل: من أكل الخبز مع الجبن، أصابته علة فجأة. والمصل قيل هو دين غالب لحموضته، وقيل هو مال نام، يقوم قليله مقام كثير من الأموال، يناله بعد كد. والأقط مال عزيز لذيذ.
وروي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم رأى وهو نازل بالطائف، كأنّه جيء بقدح من لبن فوضع بين يديه، فانصب القدح. فأولها أبو بكر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله ما أظنك مصيباً من الطائف في عامك هذا شيئاً، فقال: أجل، لم يؤذن لي فيه، ثم ارتحل صلى الله عليه وسلم.
وأتى ابن سيرين رجل فقال: رأيت عساً من لبن جيء به حتى وضع، ثم جيء بعس آخر فوضع فيه فوسعه، فجعلت أنا وأصحابي نأكل من رغوته، ثم تحول رأس جمل، فجعلنا نأكله بالعسل. فقال: أما اللبن ففطرة، وأما الذي صبه فيه فوسعه، فما دخل في الفطرة من شيء، وأما أكلكم رغوته فيقول الله تعالى: {فأمَا الزَّبَدُ فَيَذْهب جَفَاء}. وأما البعير فرجل عربي، وليس في الجمل شيء أعظم من رأسه، ورأس العرب أمير المؤمنين، وأنتم تغتابونه وتأكلون من لحمه، وأما العسل فشيء تزينون به كلامكم. وكان ذلك في زمان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
وأتى ابن سيرين رجل فقالت: رأيت كأنّي أرتضع إحدى ثدييّ، فقال: ما تعمل؟ فقال: أكون مع مولاي في الحانوت، فقال: اتق الله في مال مولاك.
ورأى عدي بن أرطأة لقحةً مرت به وهو على باب داره، فعرض عليه لبنها فلم يقبل، ثم عرض عليه ثانية فلم يقبل، ثم عرض عليه مرة أخرى فقبله، فقال سيرين: هي رشوة لم يقبلها، ثم عاد فقبلها وأخذها.
ورأى أمير المؤمنين هارون الرشيد، كأنّه في الحرم يرتضع من أخلاف ظبية. فسأل الكرماني مشافهة عن تأويلها، فقال: يا أمير المؤمنين، الرضاع بعد الفطام حبس في السجن، ومثلك لا يحبس، ولكنك منحبس بحب جارية قد حرمت. فكان كذلك.
وأما الرعاف فإنّه إن كان كثيراً رقيقاً، دل على إصابة مال دائم. وإن كان غليظاً، دل على سقط يولد له. فإن رأى أنّ أنفه رعف، وكان ضميره أنّ الرب ينفعه، فإنه يصيب من رئيسه خيراً. وإن كان ضميره أنّه يضر به، فإنّه يصيب من رئيسه شراً، ويكون وبالاً عليه، وينال بعده ضرراً. فإن كان هو الرئيس، فإنّه يرى بجسده بقدر ما رأى من القوة والضعف، وكثرة الدم وقلته. فإن رعف قطرة أو قطرتين، فإنه منفعة. فإن رعف رطلاً أو رطلين وكان ضميره أنّه منفعة لبدنه، فإن صحة البدن صحة الدين، فهو يخرج من إثم ويصح دينه. وإن كان في ضميره أنه يضره في بدنه، فإن ضرر البدن ضرر الدين أو اكتساب إثم. فإن ذهبت قوته بعد خروج الدم، فإنّه يفتقر وإن قوي فإنّه يستغني، لأنّ القوة غنى الرجل. فإن تلطخ بدمه ثيابه، فإنّه يصيب من ذلك مالاً مكروهاً وإثماً. فإن لم تلطخ بشيء، فإنّ صاحبه يخرج من إثم. فإن رأى أن الرعاف يقطر في الطريق، فإنّه يؤدي زكاة مال ويتصدق بها على قارعة الطريق. وقيل إن الرعاف إصابة كنز، والعطاس تيقن أمر مشكوك.
وأما الدمع فالبارد منه فرح، والحار غم، ومن رأى الدمع على وجهه من غير بكاء، فإنّه يطعن في نسبه، وينفذ فيه القول من طاعته. فإن رأى الدموع تمور في عينيه، فإنّه يدخر مالاً حلالاً في أمر الدين، لا يريد إظهاره، فإن سال على وجهه، فإنه يطيب قلباً بإنفاقه. فإن رأى أنّ دمع عينه اليمنى دخل في عينه اليسرى نكح ابن بنته، نعوذ بالله من غضب الله.
وأما المخاط، فمن رأى كأنّه امتخط، فإنّه يقضي دينه، أو ينجو من هم، أو أيجازي قوماً بشيء فعلوه. وقيل إنّ المخاط دليل الولد، بدليل أَنّ الهرة تولدت من مخاط الأسد. ومن رأى كأنّه امتخط على الأرض، ولدت له ابنة. فإن رأى كأنّه امتخط على امرأته، فإنّها تحبل وتسقط ابناً. وإن رأى امرأته امتخطت عليه، فإنّها تلد ابناً أو تفطم ولداً صغيراً. ومن امتخط في دار رجل، نكح امرأة من تلك الدار حلالاً أو حراماً. فإن امتخط في فراش رجل، فإنّه يخون امرأته، فإن امتخط في منديله، خانه في خادمته، فإن رأى كأنّه امتخط، فأخذت امرأة مخاطه، فإنّها تخدعه وتحمل منه. وإن رأى كأنّه يغسل مخاط غيره، فإنّ رجلاً يخدع امرأته، وهو يجتهد في ستره، ولا يستر. فإن رأى كأنّه أكل مخاط نفسه، فإنّه يأكل مال ولده. وإن أكل مخاط غيره، أكل مال ولد غيره. فإن رأى كأنّ في أنفه مخاطاً، دلت رؤياه على حبل امرأته. وإن رأى كأنّه عطس فخرج من أنفه حيوان، فإنه ينسب إليه ولد غيره. فإن كان الخارج سنوراً، فهو ولد لص. وإن كان حمامة، فابنة محبوبة. فإن رأى مخاطه يسيل، أصاب أولاداً شبهه، ومن رأى إنساناً مخط في ثوبه، يوصله بمصاهرة.
والتثاؤب مرض. وطيب النكهة حسن المحضر. والضحك حزن، لقوله تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً}. وهو أيضاً بشارة بغلام، لقوله تعالى: {فَضَحِكَتْ فَبَشّرْنَاها بإسْحَاقَ}. والتبسم محمود.
والغطيط في النوم يدل على غفلة صاحب الرؤيا وانخداعه لمن خدعه. وأما رفع الصوت فارتفاع على قوم في منكر، بدليل قوله تعالى: {واغْضُض مِنْ صوتِكَ}. وإن رأى كأنّه سمع صوتاً طيباً صافياً، فإنّه ينال ولاية. ومن رأى كأنّ إنساناً أسمعه شتماً، نال منه أذى ثم يظفر به وينتصر عليه، وقيل هو حق يجب للمشتوم على الشاتم، كما أنّ عليه أي المفتري الحد له. وإن كان الشاتم ملكاً، فالمشتوم أحسن حالاً من الشاتم، لأنّه مبغي عليه، والمبغي عليه منصور. ومن رأى كأنّه يصيح وحده، فإنّ قوته تضعف. فإن رفع صوته فوق عالم، فإنّه يرتكب معصية لقوله تعالى: {لا تَرْفَعُوا أصْوَاتَكُمْ فَوْق صَوْتِ النبي}. والعلماء ورثة الأنبياء.
وأما العرق فهو دال على مضرة في الدنيا، وقيل من رأى كأنّه يرفض عرقاً قضيت حاجته. ونتن عرق الإبط، يدل على الرياء للرعية، وللوالي يدل على أنه يصيب مالاً في قبح ثناء.
وأما الدعاء فمن دعا ربه في ظلمة، فإنّه ينجو من غم. فإن رأى أنّه يدعو رجلاً فإنّه يتضرع إليه مخافة منه. وأما الهتف فمن رأى أنّه سمع صوت هاتف بأمر أو نهي أو بشارة أو نذارة، فهو كما سمعه بلا تفسير. وكذلك كلام الموتى، وكذلك كلام كل الطيور لصاحب الرؤيا مبشر بنيل ملك عظيم، وعلم وفقه. وأما الكلام بلغات شتى، فمن رأى ذلك فإنّه يملك ملكاً عظيماً. وأما المشاورة فكل فاسق شاور عفيفاً، إلى التوبة. وكل عفيف شاور فاسقاً، فقد دنا إلى بدعة. وإن شاور عفيفاً أراد صلاحاً، وإن شاور فاسقاً فاسق حصل له ترياق من السموم.
فإن نقى أذنيه من وسخ أو قيح فإنّه يأتيه أخبار سارة. ومن رأى كأنّه يأكل من وسخ أذنه، فإنّه يأتي الغلمان أو يرتكب فاحشة.
والبصاق فهو مال الرجل وقدرته. فمن رأى أنّه يبصق، فإنّه يقذف إنساناً. فإن كان مع البصاق دم، فهو كسب من حرام. فإن بصق على حائط فإنّه ينفق ماله في جهاد، أو يشغل ماله في تجارة. فإن بصق على الأرض، اشترى ضيعة أو أرضاً. فإن بصق على شجرة، نكث عهداً أوحنث في يمين. فإن بصق على إنسان، فإنه يقذفه.
والبصاق الحار، دليل طول العمر. وأما البارد فدليل الموت. ومن رأى ريقه جف، فإنّه فقر. ومن رأى اللعاب يجري من فيه، فهو مال يناله ثم يذهب منه. ومن رآه يجري ولا يصيب شيئاً من أعضائه، ورأى كأنّ الناس يتناولونه بأيديهم، فهو علم يبثه في الناس، فإن كان معه دم، خالط علمه كذب. فإن رأى أنّه يسيل من فمه ماء كثير، نال سعة من العيش. وخروج الماء من فم التاجر دليل صدقه. فإن خرج اللعاب منه فسال بين يدي رجل شاب، فإنّه يفشي سره إلى عدو. فإن كان معه دم، فإنه يكذب في بعض ما تساره به. والبلغم مال مجموع لا ينمو. فإذا رأى أنّه ألقى بلغماً، نال الفرج والشفاء إن كان مريضاً. فإن رأى أنّه تنخع، فإنّه ينفق نفقة في سره، وإن كان صاحب علم، فإنّه شحيح عليه. وإن خرج من فيه شعر أو خيط أو مدة غير كريهة، طالت حياته. وقيل إنّ خروج الماء من فم الإنسان وعظ من عالم ينتفع به الناس أو فتوى. وإن كان تاجراً كان صدق كلامه.
وأما القيء فدليل التوبة على طيب نفس منه. وإن تعذر عليه وكره طعمه، كانت على كراهة منه. ومن تقيأ وهو صائم ثم انغمس فيه، فإنّ عليه ديناً يقدر على قضائه ولا يقضيه، فيأثم فيه. فإن شرب لبناً وتقيأ لبناً وعسلاً، فهو توبة. فإن ابتلع لؤلؤاً وتقيأ عسلاً، فإنّه يتعلم تفسير القرآن، فإن تقيأ لبناً ارتد عن الإسلام. فإن تقيأ طعاماً، فإنه يهب إنساناً شيئاً. فإن عاد في قيئه، عاد في هبته. فإن شرب خمراً ولم يسكر وتقيأ، أخذ مالاً حراماً ثم رده. وإن سكر وتقيأ فإنّه بخيل لا ينفق على عياله إلاّ القليل، ويندم علىِ إنفاقه. فإن رأى كأنّ أمعاءه تخرج من فيه، دلت على موت أولاده. وقيل إذا رأى فواقاً وقيئاً ذريعاً مع الفواق، دل على موته. وقيل من رأى كأنّه تقيأ دماً كثيراً حسن اللون، دل على أنّه يولد له مولود. فإن سال الدم في وعاء، عاش الولد. وإن سال على الأرض، مات الولد سريعاً. وهذه الرؤيا للفقير مال وملك كثير، وهذه الرؤيا مذمومة لمن أراد أن يخدع إنساناً، لأنّ أمره ينكشف.
وأما الدم الفاسد فإنه يدل على المرض في جميع الناس عامة. فإن كان الدم قليلاً كالنفثة، دل على أهل البيت والقرابة، وعلى نيل الشر ثم يتخلص منه. وقيل أنّ قيء الدم توبة من إثم أو مال حرام، ويؤدي أمانة في عنقه.
وأما البول فهو في التأويل مال حرام، فمن رأى كأنّه بال في موضع مجهول تزوج في ذلك الموضع امرأة، ويلقي فيها نطفته بمصاهرة أهل الموضع أو جاره، وقيل من رأى كأنّه يبول، فإنّه ينفق نفقة تعود إليه، لقوله تعالى: {وَمَا أنْفَقْتم مِنْ شَيءٍ فهوَ يخلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقين}. فإن رأى كأنّه بال في بئر فإنّه، ينفق من كسب مال حلال. فإن رأى كأنّه بال على سلعة، فإنّه يخسر تلك السلعة. فإن بال في محراب، فإنّه يولد له ولد عالم.
وحكي أنّ مروان بن الحكم رأى كأنّه يبول في المحراب، فقص رؤياه على سعيد بن المسيب، فقال: إنك تلد الخلفاء.
ومن رأى كأنّه بال على المصحف، ولد له ولد يحفظ القرآن. ومن رأى كأنّه بال بعضاً وأمسك بعضاً، فإن كان غنياً ذهب بعض ماله، وإن كان مكروباً ذهب بعض كربه. فإن رأى كأنّه يبول ويبول معه آخر فاختلط بولاهما، وقعت بينهما مواصلة ومصاهرة. فإن رأى أنه حاقن، فإنّه يغضب على امرأته. فإن غلبه البول ولا يجد لذلك موضعاً، أراد دفن مال ولا يجد مدفناً. فإن رأى أنّه بال في موضع البول فأكثر، أصاب الفرج إن كان فقيراً، وإن كان غنياً خسر ماله. وإن رأى الناس يتمسحون ببوله، ولد له غلام يتبعه الناس، فإن رأى كأنّ إنساناً معروفاً بال عليه، فإنّه يذله بإنفاق ماله عليه. وإن رأى امرأة تبول بولاً كثيراً، فإنّها تشتهي الرجال. فإن رأى الرجل كأنّه يبول لبناً، فإنه يضيع الفطرة. فإن شربه إنسان معروف، فهو ينفق عليه في دنياه مالا حلالا. ومن رأى كأنّه يبول دماً، فإنّه يأتي امرأة وهي حائض.
وحكي أنّ رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأنّي أبول دماً، فقال: اتق الله، فإنك تأتي امرأتك وهي حائض، قال نعم.
وقيل إنّ صاحب هذه الرؤيا، إن كانت امرأته حبلى سقطت. فإن رأى كأن الدم يحرق إحليله أو يؤلمه، فإنّه يأتي امرأة مطلقة أو امرأة ذات محرم ولا يعلم بذلك. فإن رأى كأنّه بال زعفراناً، ولد له ابن ممراض. فإن رأى كأنّه بال عصيراً، فإنه يسرف في ماله. فإن رأى كأنّه بال تراباً أو طيناً، فإنه رجل لا يحسن الوضوء، ولا يحافظ عليه. فإن بال ناراً، ولد له ولد لص. وإن خرج سبع، ولد له ولد ظلوم. وإن خرجت سمكة، ولد له جارية من امرأة أصابها من ساحل البحر بحر المشرق. وإن خرج طائر، ولد له ولد مناسب لجوهر ذلك الطائر في الفساد والصلاح. ومن بال قائماً، فإنه ينفق ماله جهلاً. ومن بال في قميصه، فإنه يولد له ابن. فإن لم يكن له زوجة، تزوج. فإن رأى أنّه يبول في أنفه، فإنه يأتي محرماً. فإن بال في موضع فطرة، فإنّه ينفق في موضع لايحمد عليه.
وأتى أبن سيرين رجل فقال: رأيت امرأة من أهلي كأنّ بين ثدييها إناء من لبن، كلما رفعته إلى فيها لتشرب، أعجلها البول، فوضعته ثم ذهبت فبالت. فقال: هذه امرأة مسلمة صالحة، وهي على الفطرة، وهي تشتهي الرجال وتنظر إليهم، فاتقوا الله وزوجوها. فكان كذلك.
ورأى والد أردشير بن ساسان وكان راعي الغنم، كأنّه بال وعلا من بوله بخارا عم السماء كلها، فسأل بابك المعبر فقال: لا أعبرّها لك حتى تنسب إليّ ولداً يولد لك، فوعده بذلك، فقال: يولد لك غلام يملك الافاق. فكان كذلك، فلما ولد أردشير نسبه إلى بابك المعبر وفاء له بوعده، فلذلك يقال أردشير بن بابك، وإنّما كان أبوه ساسان. ورأى إنسان كأنه يبول في محفل من محافل السوق فصار محتسباً على الأسواق، لأن من رأس قوماً يهونون عليه.
والودي مال لا بقاء له مع ندامة. وأما المني فهو مال باق زائد. فمن رأى كأنّه سال منه مني، ظهر له مال. فإن رأى أنه يلطخ امرأته بذلك، أعطاها حلياً أو كسوة. فإن رأى عنده مني غيره، صار إليه مال غيره. والجرة من المني، كنز يصيبه من أصابها. فإن رأى أنّه تلطخ بمني امرأة، انتفع منها. وخروج ماء أصفر من فرج المرأة، يدل على أنّها تلد ولداً ممراضاً. فإن خرج ماء أحمر، ولدت ولداً قصير العمر. فإن خرج ماء أسود، ولدت ولداً يسود أهل بيته، فإن خرج من فرجها نار، كان الولد ذا سلطان وجور وظلم. فإن رأت أنّها ولدت سمكة وهي حبلى، فقد قيل أنّه ولد طويل العمر، وقيل انّه ولد قصير العمر. فإن رأى رجل كأنّه حائض، فإنّه يأتي محرماً. وكذلك المرأة الشابة، إذا رأت كأنّها اغتسلت من الحيض، تابت ونالها فرج. وأما إذا أيست من الحيض ورأت الحيض، فهو ولد لقوله تعالى: {فَضَحِكَتْ فَبَشّرْنَاها بِإسْحَاقَ}. والضحك هنا بمعنى الحيض. فإن رأت أنّها تستحاض، فإنّها في إثم وتريد أن تتخلص منه فلا يمكنها.
وأما الغائط فقد قيل هو رزق من ظلم، وقيل هو دليل الفرج. ومن رأى أنّه أحدث، ذهب غمه، فإن كان ذا مال، فإنّه يزكي ماله. وإن رأى كأنّه أحدث غائطاً كثيراً وكان على سفر، فإنّه لا يسافر وتنقطع عليه الطريق.
وأكل العذرة وإصابتها وإحرازها، مال حرام مع ندامة، وربما كان كلاماً يندم عليه لطمع. ومن أحدث وكان الحدث جامداً، فإنه ينفق بعض ماله في عافية، وإن كان سائلاً، فإنّه ينفق عامة ماله. فإن كان موضع الحدث معروفاً مثل المتوضأ فإن نفقته معروفة بشهوته. وإن كان مجهولاً، فإنّه ينفق فيما لا يعرف مالاً حراماً لا يؤجر عليه ولا يشكر عليه، وكل ذلك بطيب نفس منه.
وكل ما خرج من بطون الناس والدواب من الأرواث، فهو مال، إلا أنّ تحليله وتحريمه، بقدر ريحه وقذره وأذاه الناس، إلا أن يكون شيئاً غالباً كثيراً من عذرة الناس شبه الوحل، فهو هم أو خوف من سلطان. فإن أحدث في ثيابه أحدث فاحشة. وإن أحدث في سراويله غضب على زوجته ووفر لها مهرها. فإن رأى أنّه أحدث في موضع وستره بالتراب، فإنّه يستر مالاً. فإن أحدث على نفسه، وقع في خطيئة. فإن أحدث في فراشه، مرض مرضاً طويلاً، لأنّه لا يفعل ذلك في اليقظة إلا من لا يستطيع القيام، وتدل أيضاً هذه الرؤيا على مفارقة الرجل امرأته. وقيل: من رأى كأنّه يأكل الخبز بالعذرة، دل على أنّه يأكل الخبز بالعسل في اليقظة، وقيل: هو مخالفة السنة. فإن تغوط من غير قصد منه، فحمله بيده، فإنّه يرزق كيس دنانير حرام على قدر الغائط. ومن رأى كأنّه يحدث في الأسواق العابرة العامرة، أو في الحمامات والجماعات، دل على غضب الله عليه والملائكة، وتناله فضيحة عظيمة، وخسارة كبيرة، وظهور ما يخفيه الإنسان، ويدل أيضاً على نقص يعرض لصاحب الرؤيا. فإن أحدث في مزبلة أو شط البحر، أو في موضع لا ينكر لذلك، فهو دليل خير وذهاب الهم والوجع.
فإن رأى كأنّ إنساناً معروفاً يرميه بشيء من زبل الناس، فإن ذلك يدل على معاداة ومخالفة في الرأي وظلم يعرض له ممن رماه بها، ومضرة عظيمة. وكثرة زبل الناس أيضاً تدل على تعويق عن الحركات، والإقبال على مضار كثيرة. والتلطخ بزبل الإنسان مرض أو خوف، وهو أيضاً دليل خير لمن أفعاله قبيحة، وقد امتحنا أنّ ذلك مما ينتفعون به.
وأما الفساء فهو كلام فيه ذلة، فمن فسا أصابه غم، فإن كان بين الناس فإنه غم فاش يقع فيه. ومن رأى كأنّ غيره فسا وهو يشم، فإنّه غم يمر به. فمن رأى كأنه في الصلاة وخرج منه ريح غير منتنة، فإنّه طلب حاجة، ويدعو الله بالفرج، فيتكلم بكلام فيه ذلة، فيعسر عليه ذلك الأمر.
وأما الضراط، فمن رأى أنّه بين قوم خرجت منه ضرطة من غير إرادة، فإنّه يأتيه فرج من غم وعسر ويكون فيه شنعة. فإن ضرط متعمداً وكان له صوت عال ونتن، فإنه يتكلم بكلام قبيح، أويعمل عملاً قبيحاً وينال منه سوء الثناء على قدر نتنه، والتشنيع بقدر ذلك الصوت. فإن رأى له نتناً من غير صوت، فإنّه ثناء قبيح من غير تشنيع على قدر نتنه، وإذا ضرط بين قوم، فإنّهم إن كانوا في غم أو هم فرج عنهم، وإن كانوا في عسر تحول يسراً. فإن ضرط بجهد، فإنّه يؤدي ما لا يطيق. فإن ضرط سهلاً، فإنه يؤدي ما يطيق.
فإن رأى أنّه خرج من دبره طاووس، ولدت له ابنة حسناء. فإن خرجت سمكة، ولدت له ابنة قبيحة. فإن خرج من دبره دود أو قمل أو ما يطعم في جوفه، فإنّه يفارقه قوم من عياله الأقربين. فإن خرج منه مثل الحيات، فهم عيال على كل حال، غرباء من الأبعدين، إذا خرج ذلك منه على قدر ما وصفت منه. فإن خرج منه دم، فهو خروجه من إثم. فإن تلطخ به، خرج منه مال حرام. وقيل خروج الدم من الدبر أولاد الأولاد. فإن رأى أنّه يشرب بإسته، فإنّه رجل مأبون، وإن لم يكن ذلك، فهو يحقن بحقنة.
وأما أرواث الحيوان، فمن رأى أنّه يكنس روث الخيل، نال مالاً من رجل شريف. وزبل البقر دليل خير للأكرة فقط، وللحراثين دون غيرهم. فإن رأى أنّه جلس على الروث، نال مالاً من جهة بعض أقاربه.
أما البيض، إذا رؤي في وعاء دل على الجواري، لقوله تعالى: {ڪَأنّهُنّ بيضٌ مَكْنُونٌ}. فإن رأى كأنّ دجاجته باضت، فإنّه يرزق ولداً. والبيض المطبوخ المميز عن القشر رزق هنيء. فإن رأى كأنّه أكله نيئاً، فإنّه يأكل مالاً حراماً، أو يصيبه هم، أو يرتكب فاحشة. وأكل قشر البيض يدل على أنّه نباش للقبور. فإن رأى كأنّه خرجت من امرأته بيضة، ولدت ولداً كافراً، لقوله تعالى: {ويُخرجُ المَيتَ من الحيِّ}. فإن رأى ڪَأنّه وضع بيضة تحت الدجاجة فتشققت عن فروج، فإنّه يحيا له أمرا ميتا ويولد له ولد مؤمن، لقوله تعالى: {يُخْرِجُ الحَيَّ من المَيّتِ} وربما يرزق بعدد كل فروج ابناً. فإن وضع بيضاً تحت ديك، فأخرج فراريج، فإنّه يحضر هناك معلم يعلم الصبيان. فإن كسر بيضة افتضّ بكراً، وإن لم يمكنه كسرها عجز عنها. فإن ضرب البيضة ضربة وكانت امرأته حاملاً، فإنّه يأمرها أن تسقط. فإن رأى غيره كسر بيضة وردها عليه، افتض ابنته رجل. ومن وطِىء كمه فخرج منه بيضة، فإنّه يطأ أمته ويولد له منها جارية. فإن رأى عنده بيضاً كثيراً، فإنّ عنده مالاً ومتاعاً كثيراً يخشى فساده. وهذا كله في البيض النيء.
ومن رأى بيضاً سليقاً، فإنّه يصلح له أمر قد تمادى عليه وتعسر، وينال بإصلاحه مالاً ويحيا له أمر ميت. فإن أكله بقشره، فهو نباش. فإن تحساه، أكل مال امرأة وأسرف فيه. فإن أكله، فإنّه يتزوج امرأة عندها مال.
وبيض الكركي ولد مسكين. وبيض الببغاء جارية ورعة. وقيل من رأى أنّه أُعطي بيضة، رزق ولداً شريفاً. فإن انكسرت البيضة مات الولد. وقيل: البيض للأطباء والمرزوقين منه ولمن كان معاشه منه هو دليل خير. وأما لسائر الناس فإنّ البيض القليل يدل على المنافع لأنّه يؤكل، والبيض الكثير فإنّه يدل على هموم وغموم ويدل مراراً على الأشياء الخفية. وقيل: الكبار من البيض بنون. والصغار بنات. وأتى ابن سيرين رجل فقال: رأيت كأني آكل قشور البيض فقال اتقِ الله فإنك نباش تسلب الموتى. ورأى رجل أعزب كأنّه وجد بيضاً كثيراً، فقص رؤياه على معبر، فقال: هو للاعزب امرأة، وللمتزوج أولاد. ورأى رجل كأنّه يقشر بيضاً مطبوخاً فقص رؤيا على معبر، فقال: تنال مالاً من جهة بعض الموالي. ورأى مملوك كأنّه أخذ من مولاته بيضة سليقاً، فرمى بقشرها، واستعمل ما فيها، فولدت مولاته ابناً، فأخذ المملوك ذاك المولود ورباه، وذلك بأمر زوج المرأة، فصار سبباً لمعاش ذلك المملوك.
وحبل الرجل زيادة في دنياه، وقيل هو حزن بقتل مستور. وولادة الرجل جارية، إصابة خير وفرج قريب، ويخرج من نسله من يسود أهل بيته. وولادته غلاماً، يصيبه هم شديد. وحبل المرأة زيادة في المال. وولادتها غلاماً تلد جارية، وربما كانت طبيعتها مخالفة لذلك، فيكون ممن إذا رأت أنّها ولدت جارية، كانت جارية، وإذا رأت أنها ولدت غلاماً، كان غلاماً. وكذلك لو رأى امرأته أو جاريته ولدت جارية، أصاب خيراً. فإن ولدت إحداهما غلاماً، ناله هم شديد. وكذلك لو رأى أنّه اشترى جارية، أصاب خيراً. فإن اشترى غلاماً، أصابه هم شديد.
تفسير الاحلام لابن سيرين – الباب الثالث والعشرون: في تأويل الأشياء الخارجة من الانسان و سائر الحيوان من المياه و الألبان و الدماء وما يتصل بذلك من الأصوات و الصفات