رؤيا الأشجار – تفسير الاحلام لابن نعمة
فصل فِي الْأَشْجَار وثمارها: من ملك شَجَرَة أَو استظل بظلها أَو انْتفع بثمرها أَو بِشَيْء مِنْهَا: حصل لَهُ فَائِدَة من جليل الْقدر أَو من أحد أَبَوَيْهِ أَو من زوجه أَو ولد أَو معلم أَو أستاذ أَو معيشة أَو ملك أَو من دَابَّة وَنَحْو ذَلِك، وَإِن كَانَ الرَّائِي أعزب تزوج، وَيكون ذَلِك على قدر حسن الشَّجَرَة ونفعها وعلوها بَين الْأَشْجَار، فَإِن كَانَت فِي إقبال الزَّمَان كَانَت فَائِدَة من دلّت الشَّجَرَة عَلَيْهِ قريبَة وَإِن كَانَ فِي أَوَان سُقُوط الْوَرق وَبطلَان ثَمَرَتهَا فراحة ذَلِك بعيدَة مُتَأَخِّرَة على قدر مَا بَقِي لظُهُور ثَمَرَتهَا. قَالَ المُصَنّف: إِنَّمَا دلّت الْأَشْجَار على مَا ذكرنَا وَشبهه لوجه الِانْتِفَاع مِمَّن ذكرنَا فَإِن الشَّجَرَة ترَاد تَارَة لثمرها وَتارَة لورقها وَتارَة لظلها وَتارَة لخشبها وَتارَة لحطبها وَتارَة للجمال بهَا وَتارَة للمجموع وَكَذَلِكَ الَّذين دلّت عَلَيْهِم مِمَّن ذكرنَا فَإِنَّهُم أهل لوُجُود النَّفْع على مَا يَلِيق أَن ينْتَفع بهم الْإِنْسَان فِي كل وَقت بوقته فَافْهَم ذَلِك. وَأَوَان إقبال كل شَجَرَة بحسبها كَمَا ذكرنَا وَيكون أَيْضا أَوَان إقبالها على قدر حَاجَة الرَّائِي إِلَيْهَا فِي الْمَنَام كمن خَافَ من سبع أَو عَدو أَو سيل أَو نَار وَنَحْو ذَلِك فَصَعدَ عَلَيْهَا ليتحصن من ذَلِك فَوَجَدَهَا عالية قَوِيَّة ثَابِتَة فَذَلِك بُلُوغ مُرَاد وَقَضَاء حَاجَة وَذَهَاب هم على يَد من دلّت الشَّجَرَة عَلَيْهِ. وَمثله لَو رأى كَأَنَّهُ فِي حر شَدِيد فَوَجَدَهَا ذَات ظلّ مليح وَكَذَلِكَ لأجل مطر وَكَذَلِكَ لَو طلبَهَا لأجل ثَمَرهَا فَوَجَدَهَا مثمرة مليحة على غَرَضه وَكَذَلِكَ لَو طلبَهَا لأجل الْوقُود فَوَجَدَهَا يابسة سهلة الْكسر وَنَحْو ذَلِك فَعلمنَا بذلك كُله أَن أَوَان إقبالها ذَلِك. فَافْهَم.
فصل: فَإِن جعلناها ملكا كَانَت أوراقها: سلاحه، وبنوده، وَحسن جيوشه. وَثَمَرهَا: أَمْوَاله. وَإِن جعلناها عَالما كَانَ ذَلِك كتبه وعلومه، وَإِن جعلناها امْرَأَة كَانَ ذَلِك جهازها وَأَوْلَادهَا، وَإِن جعلناها تِجَارَة كَانَ ذَلِك أعدلها، وَثَمَرهَا: البضاعة، وَإِن جَعَلْنَاهُ أَوْلَادًا أَو أقَارِب كَانَ الأوراق ملابسهم لِأَن الله تَعَالَى جعل الأوراق ستْرَة للثمرة من الشَّمْس لِئَلَّا تحرقها أَلا ترى أَن الثَّمَرَة البارزة فِي الشَّمْس يبان أثر الشَّمْس فِيهَا وَلَا يطيب طعمها غَالِبا، وَإِن جعلناها عابداً كَانَ وَرقهَا تلاميذه أَو نوافله. فَمَا أصَاب ذَلِك من خير أَو شَرّ نسبناه إِلَى من ذكرنَا. قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر الْفَائِدَة وَالْأَحْوَال الَّتِي ذَكرنَاهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَمَاكِن نَبَات الْأَشْجَار والإقليم كامرأة رَأَتْ أَنَّهَا أخذت جوزة هندية وَقد أثقلها حملهَا قلت ترزقين ولدا يكون أَصله من الْهِنْد أَو مِمَّن يتَرَدَّد إِلَى تِلْكَ الْبِلَاد فَجرى ذَلِك. وَمثله رَأَتْ أُخْرَى قلت يحصل لَك نكد من امرأة هندية قَالَت صَحِيح. وَقَالَ آخر رَأَيْت أَن فِي دَاري نَخْلَة وَعَلَيْهَا تمر صيحاني قلت إن كنت عزباً تزوجت امْرَأَة شريفة وَأَصلهَا من الْحجاز وَإِن كنت مزوجاً قدم عَلَيْك إِنْسَان من تِلْكَ الْجِهَة فَذكر الْمَجْمُوع. وَذكر آخر أَنه كَانَ بِالْيمن فرأى بعدن شَجَرَة خِيَار سنبر وَهِي عالية قلت قدم بعد ذَلِك رَسُول من مصر قَالَ نعم، وَدَلِيله أَن الْغَالِب أَنه لَا ينْبت إِلَّا بِمصْر وَكَونه رَسُول لعلو كلمة الرَّسُول. وَقَالَ آخر رَأَيْت أنني عبرت دَاخل شَجَرَة بندق وحولت مِنْهَا وَرقا مُخْتَلف الألوان قلت لَهُ ستروح إِلَى بِلَاد البندق أَو بِلَاد الرّوم وَتقدم مَعَك ملابس مُخْتَلفَة الألوان فَإِن كَانَ الَّذِي أخرجته مليحاً أفدت من ذَلِك وَإِلَّا فَلَا.
فصل: فَإِن كَانَت الشَّجَرَة سهلة التَّنَاوُل كَانَ الَّذِي دلّت عَلَيْهِ سهلاً قريب الرَّاحَة، وَإِن كَانَت صعبة أَو لَهَا شوك أَو مرّة الثَّمَرَة أَو تالفة الثَّمر كَانَ من دلّت عَلَيْهِ بخيلاُ أَو شرس الْخلق أَو خَبِيث المكاسب. قَالَ المُصَنّف: فَإِن قصد أَن يكون لَهَا شوك لينْتَفع بِهِ فِي تحويط حَائِط أَو ليدفع بِهِ ضِرَارًا أَو طلب الحنظل للتداوي أَو لنفع وَطلب حموضة الرُّمَّان فَوجدَ ذَلِك وَشبهه على مَا قَصده كَانَ فِي هَذِه الْأَحْوَال جيدا يبلغ مُرَاده وَيصير ذَلِك كَالرّجلِ الْجيد الَّذِي يُوجد عِنْده مَا يَقْصِدهُ، وَأما إِن وجد ذَلِك حلواً أَو بِلَا شوك كَانَ ذَلِك ردياً كَمَا لَو خَافَ أَن يكون مرا أَو حامضاً فَوَجَدَهُ حلواً أَو لَا شوك لَهُ كَانَ ذَلِك ردياً كَمَا لَو خَافَ أَن يكون مرا أَو حامضاً فَوَجَدَهُ حلواً أَو لَا شوك لَهُ كَانَ من حكم إنصلاح المفسود وَوُجُود الضائع وَالصُّلْح مَعَ الْأَعْدَاء والأمن فِي مَوضِع الْخَوْف وَنَحْو ذَلِك.
رؤيا غرس الشجر
فصل: وَأما من غرس شَجَرَة مليحة لنفع النَّاس فَإِن كَانَ الغارس عَالما: صنف كتابا أَو انْتفع النَّاس بِعُلُومِهِ، وَإِن كَانَ عابداً: انْتفع النَّاس ببركته، وَإِن كَانَ تَاجِرًا: رُبمَا وقف وَقفا. وَبِالْعَكْسِ من ذَلِك لَو غرس شَجَرَة ردية أَو فِي مَكَان يضيق على النَّاس. قَالَ المُصَنّف: انْظُر إِذا رأى كَأَنَّهُ غرس نبتاً فِي غير وَقت الْغِرَاس كَانَ الَّذِي دلّ عَلَيْهِ قَلِيل الثَّبَات من خير وَشر وَإِن غرسها وَمثلهَا لَا يعِيش إِلَّا بالسقي فغرسها فِي أَرض لَا مَاء فِيهَا كَانَ ذَلِك أَيْضا قَلِيل الْبَقَاء ونكداً لمن دلّ عَلَيْهِ المغروس. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت كأنني أزرع الريحان فِي تربة لَا مَاء فِيهَا قلت لَهُ: اعتقلت رحلاً قَالَ نعم قلت يخْشَى عَلَيْهِ وَدَلِيله عدم بَقَاء ذَلِك مَعَ عدم المَاء. وَمثله رأى آخر قلت لَهُ أَنْت تطلب الْوَلَد من امْرَأَة لَا يثبت مَعهَا. وَمثله رأى آخر قلت لَهُ أَنْت توري أَنَّك محسن وَأَنت مسيء فِي حق من دلّ الْغِرَاس عَلَيْهِ. وَمثله رأى آخر قَالَ كنت أغرسه لتنفع رَائِحَته أَرْجُو أَثوَاب الله قلت تَتَصَدَّق أَو تعبد الله سُبْحَانَهُ بِمَا تعتقد أَنه ينفع وَلَا فِي ذَلِك وَدَلِيل ذَلِك كُله كَونه وضع الشَّيْء فِي مَوضِع يتْلف مثله فِيهِ فأفهم ذَلِك.
رؤيا قطع الشجرة
فصل: وَأما من قطع شَجَرَة تَنْفَع النَّاس: فعل فعلا يتَضَرَّر النَّاس بِهِ، وَإِن كَانَت الشَّجَرَة تَضُرهُمْ فقطعها: أَزَال شدَّة عَن النَّاس إِمَّا بعزل ظَالِم أَو إِزَالَة مظْلمَة أَو بطلَان بِدعَة وَنَحْو ذَلِك. قَالَ المُصَنّف: انْظُر وصف الشَّجَرَة المقطوعة واطلب ذَلِك الْوَصْف وَإِن كَانَ خَفِيفا، كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني قطعت شَجَرَة زيتون مليحة، قلت: كَانَ فِي الْبَلَد غَيرهَا، قَالَ: لَا، قلت: أَنْت متول، قَالَ: نعم، قلت: سعيت فِي قطع زَيْت لمَسْجِد أَو كَنِيسَة، قَالَ: صَحِيح. وَقَالَ مَرِيض رَأَيْت أنني تَحت شَجَرَة تفاح أستظل بظلها فقطعتها، قلت: كَانَت الْعَافِيَة فِي شراب التفاح فَكيف قطعته! فَعَاد إِلَيْهِ، فَعُوفِيَ. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني قطعت شَجَرَة عِنَب كنت أَسجد لَهَا فِي الْمَنَام، قلت: كنت تشرب الْخمر وَقد تبت مِنْهُ، قَالَ: صَحِيح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن حلقي مسدود وأطلب النَّفس وَلم أقدر عَلَيْهِ، فَقطعت شَجَرَة توت وأدخلتها فِي حلقي فَزَالَ ذَلِك، قلت: يَقع بك مرض وَلَا تَبرأ إِلَّا بِرَبّ التوت فَكَانَ ذَلِك.
فصل: وَأما من ملك جمَاعَة من الشّجر وَكَانَ الرَّائِي مُتَوَلِّيًا: ملك بلاداً أَو جيوشاً على قدر عَددهَا، وَإِن كَانَ عَالما: فعلوم على قدرهَا، وَهِي أَعمال للعابد، وَرُبمَا كَانَت أولاداّ أَو أقَارِب أَو معارف أَو دوراً أَو تجائر أَو دَوَاب، وهب لرب المعايش فَوَائِد، وَرُبمَا تكون للصعلوك دَرَاهِم على قدرهَا، فَمَا حدث فِيهَا من صَلَاح أَو فَسَاد فِي الْمَنَام عَاد إِلَى من ذكرنَا. قَالَ المُصَنّف: دلّت على الْعُلوم لحلاوة مَا يجده الْآكِل وشفاء قلبه حَتَّى أَن الَّذِي تغلب عَلَيْهِ الصَّفْرَاء يلتذ بِأَكْل الحامض فَهُوَ عِنْده أحسن من الحلو، ودلت على أَعمال العابد لِأَن الشَّجَرَة منتصبة لذكر الله تَعَالَى لِأَن سجودها دوران ظلها وتسبيحها صَوتهَا حِين تتحرك عِنْد هبوب الرِّيَاح. وَالَّذِي خَفِي علينا من تمجيدها لله تَعَالَى أعظم مِمَّا عَرفْنَاهُ فسبحان الممدوح بِكُل صَوت فِي كل وَقت.