رؤيا السكْر – تفسير الاحلام لابن نعمة
فصل: وَأما السكر من أكل شَيْء، أَو شرب شَيْء، لمن يحرمه: هموم، أو زَوَال عز، أو مطالبات بديون، وَغَيرهَا. لكَونه فَاعل ذَلِك يطْلب بالتعزير، أَو غيره. وَأما السكر، من غير شَيْء: يدل على قَضَاء الدُّيُون، والخلاص من الشدائد. بِكَوْنِهِ لَا يُكَلف من حَال سكره بِشَيْء. هَذَا إِذا لم يتخبط. وَأما إِن تخبط كَانَ رديا. قَالَ المُصَنّف: اعْتبر السكر من الجامدات والسائلات، وَتكلم عَلَيْهِ. وَمن الْأَصْوَات أَيْضا. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أَن هدهدا يترنم بِصَوْت مليح وَأَنا أطرب، قلت: تمايلت، قَالَ: نعم، قلت: قُدَّام النَّاس، قَالَ: نعم، قلت: خلاف عادتك، قَالَ: نعم، قلت: يحصل لَك نكد من جليل الْقدر، وَرُبمَا تكون رَسُولا بِكَلَام يهددك بِهِ، قَالَ: جرى ذَلِك، قلت: وَكَانَ عَلَيْهِ ثوب ملون، قَالَ نعم. وَمثله قَالَ آخر -غير أَنه قَالَ مَا كَانَ بَين النَّاس- قلت: قدم عَلَيْك بِشَارَة على يَد إِنْسَان على رَأسه طرطور، وَمَعَهُ كتاب، قَالَ: نعم. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أكلت من رطب نَخْلَة فسكرت مِنْهُ، قلت: يحصل لَك نكد من امْرَأَة، وَرُبمَا تكون اسْمهَا مَرْيَم، أَو لَهَا بنت اسْمهَا كَذَلِك، قَالَ: صَحِيح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أكلت زيتا فسكرت مِنْهُ، قلت لَهُ: تتنكد بِمَرَض. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن نَخْلَة ضربتني فسكرت من ضربتها، قلت لَهُ: تتنكد من أمر. وعَلى هَذَا فقس.
وَأما السكر من خوف الله تَعَالَى، أَو قِرَاءَة قُرْآن، أَو سَماع موعظة: فدال على الْعِبَادَة، والرفعة. قَالَ المُصَنّف: دلّ السكر من خوف الله تَعَالَى وَقِرَاءَة كَلَامه الْعَزِيز واستماعه الموعظة على الْعِبَادَة والرفعة لاشتغال الْبَاطِن وحجب الظَّاهِر عَن أُمُور الدُّنْيَا، وَيدل على الرَّاحَة، وَقَضَاء الدُّيُون، وتوبة الْفَاسِق، والإنتقال من دين إِلَى دين الإسلام لغير المسلم، وَيدل فِي ذَلِك أَيْضا على أَنه قَالَ لي بعض المتعبدين: رَأَيْت أنني سَكرَان من خوف الله تَعَالَى وَأَنا أتواجد، قلت: تزداد عبَادَة وَبرا ويتجدد لَك فِي اعتقادك أحسن مِمَّا كنت عَلَيْهِ، قَالَ: صَحِيح. وَمثله رأى آخر، قلت: يَأْتِي إِلَيْك أحد نواب الْمُلُوك ويعطيك رَاحَة من الدُّنْيَا تبقى فرحان بهَا، فَجرى لَهُ ذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني اقْرَأ {تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا فَسَادًا} وَأَنا سَكرَان من قرائتها، قلت لَهُ: أَنْت رجل مُتَوَلِّي، وَلك أَمْلَاك ودور، وَقد تحدثت أَنْت وشخص مِمَّن يَتْلُو الْكتاب الْعَزِيز فِي أَن تتْرك الْولَايَة، وَتوقف أحسن أملاكك، قَالَ: نعم، قلت: وَصفَة الْفَقِيه مصفر اللَّوْن طَوِيل الْقَامَة، واسْمه سُلَيْمَان، قَالَ: نعم، وَهُوَ يصنع المراوح، قَالَ: نعم، وَكَانَ دَلِيله أَن الْمُتَّقِينَ غَالِبا عِنْدهم خوف، وَفِي وَجه الْخَائِف أبدا إصفرار، وَكَونه طَوِيل الْقَامَة لِأَن الْقُرْآن كثير الْإِقَامَة بَين أظهر النَّاس إِلَى يَوْم الدّين، وَالْبَاقِي فِي سُورَة النَّمْل وفيهَا سُلَيْمَان وَعَمله. فَافْهَم ذَلِك.