تفسير الاحلام لابن سيرين – الباب الحادي والثلاثون: في الحرب وحالاتها و الأسلحة وآلاتها والقتل والصلب و الحبس والقيد وأشباه ذلك
تفسير الاحلام لابن سيرين – الباب الحادي والثلاثون: في الحرب وحالاتها و الأسلحة وآلاتها والقتل والصلب و الحبس والقيد وأشباه ذلك
الحرب في المنام على ثلاثة أضرب: أحدها بين سلطانين. والثانية بين السلطان والرعيه. والثالثة بين الرعية. فأما الحرب بين السلطانين فتدل على فتنة أو وباء نعوذ بالله منها. وإذا كان الحرب بين السلطانين والرعية، دلت الرؤيا على رخص الطعام. وإذا كانت الحرب بين الرعية، دلت على غلاء الطعام. وقدوم العسكر بلده، دليل المطر بها. ومن رأى جنوداً مجتمعة دل على هلاك المبطلين ونصرة المحقين، لقوله تعالى: {فَلْنْأتِيَنّهم بجُنُودٍ لا قِبِلَ لَهُمِ بها}. وقلة الجند دليل الظفر، بدليل قوله تعالى: {ڪَمْ مِنْ فِئَةٍ قلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةَ كثِيرة بإذْنِ الله}. ورؤية الجندي بيده سوطاً أو نشاباً، دليل على حسن معاشه، ورؤية الغبار دليل سفر. وقيل إذا كان معه رعد وبرق، فهو دليل القحط والشدة، بدليل قوله تعالى: {وجوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتْرَة}. وإذا لم يِكن معه ذلك، فهو دليل إصابة الغنيمة، لقوله تعالى: {فَأَثَرْنَ بهِ نَقْعا}، والتراب مال، ومنه يكون الغبار، وقيل من رأى عليه غباراً، سافر، وقيل: يتمول في حرب. ومن ركب فرساً، وركضه حتى ثار الغبار، فإنّه يعلو أمره، ويأخذه البطر، ويخوض في الباطل، ويسرف فيه، ويهيج فتنة، لأنّ النشاط في التأويل بطر، والغبار فتنة.
وأما العَلَم فعالم زاهد، أو موسر جواد يقتدي به الناس. لقوله تعالى: {وعَلامَاتٍ بِالنّجْم هُم يَهْتَدُون}. والأعلام الحمر تدل على الحبوب، والصفر تدل على وقوع الوباء في العسكر، والخضر تدل على سفر في خير، والبيض تدل على المطر، والسود تدل على القحط. وقيل من رأى راية، صار في بلدة مذكوراً، والمتحير إذا رأى في منامه العلم، يدل على اهتدائه، لقوله تعالى: {وإنّه لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ فَلاَ تَمْترُنَّ بِهَا}. والعلم للمرأة زوج. والعلم الذي ينسب إلى العالم الزاهد، إن كان أحمر فهو فرج وسرور، وإن كان أسود، فإنّه يرى منه سؤدد. وقيل الأعلام السود تدل على المطر العام، والبيض تدل على المطر العبور، والحمر حرب.
ورأت امرأة كأنّها دفنت ثلاثة ألوية، فأتت أمها ابن سيرين فقصت رؤياها عليه، فقال: إن صدقت الرؤيا، تزوجت ثلاثة أشراف كلهم يقتل عنها. فكان كذلك. والحرب اضطراب لجميع الناس، ما خلا الوقاد وأصحاب الجيش، ومن كان عمله بالسلاح أو بسبب السلاح، فإنّها لهم دليل خير وصلاح.
والسيف ولد ذكر وسلطان، وقبيعته ولد، ونعله ولد. فمن رأى أنّه تقلد سيفاً، تقلد ولاية كبيرة، لأنّ العنق موضع الأمانة والحديد بأس شديد. فإن رأى أنّه استثقل السيف وجره في الأرض، فإنّه يضعف عن ولايته. فإن رأى أنّ الحمائل انقطعت، عزل عن ولايته والحمائل فيها جمال ولايته. فإن رأى أنّه ناول امرأته نصلاً، أو ناولته امرأته نصلاً، فهو ولد ذكر. فإن رأى أنّه ناول امرأته سيفاً في غمده، رزقت بنتاً. وإن ناولته سيفاً في غمده، رزق منها ابناً وقيل بنتاً. فإن رأى أنّه متقلد أربعة سيوف، سيفاً من حديد، وسيفاً من رصاص، وسيفاً من صفر، وسيفاً من خشب، فإنّه يولد له أربعة بنين، فالحديد ولد شجاع، والصفر ولد يرزق غنى، والرصاص ولد مخنث، والخشب ولد منافق. وإن رأى أنّه سل سيفه وهو صدىء، ولد له ولد قبيح. وإن انكسر السيف في غمده، مات الولد في بطن أمه، وإن انكسر الغمد وسل السيف، ماتت المرأة وسلم الولد، فإن انكسرا جميعاً، مات الولد والأم. فإن رأى أنه سل سيفاً من غمده ولم تكن امرأته حبلى، فهو كلام قد هيأه. فإن كان السيف قاطعاً لامعاً، فإنّ كلامه حق وله حلاوة، وإن كان السيف ثقيلاً، فإنّه يتكلم بكلام لا يطيقه. فإدن كان في السيف ثلمة، فهو عجز لسانه عما يتكلم به. فإن رأى في يده سيفاً مسلولاً وكان في الخصومة، فالحق له. وإن وجد السيف فتناوله، فإنّه صاحب حق يجده. فإن دفع إليه سيف، فهي امرأة، لقول لقمان عن السيف: ألا ترى ما أحسن منظره وأقبح أثره. ومن رأى أنّه متقلد سيفين أو ثلاثة فانقطعت، فإنّه يطلق امرأته ثلاثاً. وقيل: من رأى أنّه سل سيفه، فإنّه يطلب من أُناس شهادة ولا يقومون بها له، لقول الله تعالى: {سَلَقوكم بألسِنَةٍ حِدَادٍ} يعني السيوف. فإن رأى أنّه يضرب في بلد المسلمين بسيف يميناً وشمالاً، فإنه يبسط لسانه ويتكلم بما لا يحل.
والسيف إذا رؤي موضوعاً جانباً، فإنّه رجل ذو بأس ونجدة. ومن تقلد حمائل بلا سيف، فإنّه يتقلد أمانة. وقائم السيف أب أو عم، وقيل أم أو خالة، وانكساره موت أحدهم. وقيل أنّ نعل السيف خادم أو بيع، وانكساره موت خادمه أو بيعه. واللعب بالسيف منسوباً إلى الولاية فهو حذاقته فيها. وإن كان منسوباً إلى الكلام فهو فصاحته. فإن كان منسوباً إلى الولد فهو عجبه.
وإن رأى السيوف مع الرمح، فإنّه طاعون. وقيل إنّ السيف يدل على غضب صاحب الرؤيا وشدة أمره.
أتى ابن سيرين رجل فقال: رأيت رجلاً قائماً وسط هذا المسجد يعني مسجد البصرة، متجرداً وبيده سيف مسلول، فضرب صخرة ففلقها. فقال ابن سيرين: ينبغي أن يكون هذا الرجل الحسن البصري. فقال الرجل: هو و الله هو. قال ابن سيرين: قد ظننت أنّه الذي تجرد في الدين لموضع المسجد، وأنّ سيفه الذي كان يضرب به، لسانه الذي كان يفلق بكلامه صخرة الحق في الدين.
وقال هشام لابن سيرين: رأيت كأنّ في يدي سيفاً مسلولاً وأنا أمشي، قد وضعت طرفه في الأرض كما يضع الرجل العصا. فقال ابن سيرين: هل بالمرأة حبل؟ قال: نعم. قال: تلد غلاماً إن شاء الله. ورأى شجاع من الهنود كأنّه ابتلع سيفاً، وقص رؤياه على معبر، فقال: ستأكل مال عدوك. ولو رأيت كأنّ السيف ابتلعك للدغتك حية.
وأتى ابن سيرين رجل فقال: رأيت كأنّي أخذت زنجياً فبسطت عليه السيف حتى أتيت على نفسه. فقال: هذه معاتبة فيها غلط، فارفق فإنه سيعتبك من تعاتبه.
والسيف مع غيره من السلاح سلطان، والقتال بالسيف منازعة لقوم. والضرب بالسيف بسط اللسان واليدين إذا كانت فيها سلاطة تشبه بالسيف. والسيف على الانفراد بغير شيء من السلاح، فإنّه ولد غلام. فإن رأى سيفاً في يده قد رفعه فوق رأسه مخترطاً وهو لا ينوي أن يضرب به، نال سلطاناً مشهوراً له فيه صيت. وقال ابن سيرين: الأقرب من السيف إن كان ينبغي له السلطان فالسلطان، وإلا فهو ولد ذكر.
وأما الرمح فهو مع السلاح سلطان ينفذ فيه أمره. والرمح على الانفراد ولد أو أخ. والطعن بالرمح هو العيب والوقيعة، ولذلك قيل للعياب طعان وهماز، وقيل أنّ الرمح شهادة حق. وقيل هو سفر. وقيل هو امرأة. ومن رأى في يده رمحاً فإنه يولد له غلام، فإن كان فيه سنان فإنّه ولد يكون قيماً على الناس. ومن رأى بيده رمحاً وهو راكب، فهو سلطان في عز ورفعة. وانكساره في يد الراكب وهن في سلطانه. وانكسار الرمح المنسوب إلى الولد أو الأخ علة في الولد والأخ. فإن كان الكسر مما يرجى إصلاحه، فهو يبرأ، وإن كان الكسر مما لا يجبر، فهو موت أحد هؤلاء. وكسر الرمح للوالي عزله. وضياع السنان موت الولد أو الأخ. والمزراق يدل على ما يدل عليه الرمح.
وحكي أنّ رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأنّ بيدي رمحاً وأنا ماشٍ بين يدي الأمير. فقال: إن صدقت رؤياك لتشهدن بين يدي الأمير شهادة حق.
وحكي أنّ أبا مخلد رأى في المنام كأنّه أعطي رمحاً ردينياً، فولد له غلام فسماه رديني.
ورأى رجل كأنّ حربة وقعت من السماء فجرحته في رجله الواحدة، فلدغته حية في تلك الرجل.
والطعن بالرمح كلام يتكلم به الطاعن في المطعون.
والوهق رجل مستعان به، فإن كان من حبل، فإنّه رجل متين. وإن كان من ليف، فهو رجل حسن. فمن رأى أنّه وهق رجلاً، فإنّ الواهق يستعين برجل إن وقع الوهق في عنق الموهوق، فإن وقع في وسطه فإنّ الواهق يخدعه وينتصف من الموهوق ويظفر به ويشرف الموهوق على الهلاك.
وأما النشاب فإنّه رسول، فمن رأى أنّه رمى بسهم فلم يصب الغرض، فإنّه يرسل رسولاً في حاجة فلا يقضيها. فإن أصاب الغرض، فإنّه يقضيها. فإن كانت النشابة سوية، فهي كتاب فيه كلام حق. فإن نفذت النشابة فإنّ ذلك الكلام يقبل، فإن كانت من قصب ناقصة فإنّ ذلك الكلام باطل. فإن نفذ بها ما أراد أصاب العلامة، نفذ أمره. فإن كانت النشابة سهماً، فإنّه رجل لسن. فإن أصاب، نفذ ما يقوله. فإن رأى أنّ امرأة رمته فأصاب قلبه، فإنّها تمازحه فيعلق قلبه بها. وإن كانت نشابة من ذهب، فإنّها رسالة إلى امرأة أو بسبب امرأة. فإن كانت سهاماً معاريض، فإنّهم رسل معهم لطف ولين في كلامهم. فإن رمى بها مقلوبة نصولها إلى جانب الوتر، فإنّها رسالة مقلوبة. فإن كانت بلا ريش، فإنّ الرسول مسخر.
والنصل في النشابة رسالة في بأس وقوة. والنصل من رصاص رسالة في وهن. ومن صفر متاع الدنيا، ومن ذهب رسالة من كراهية. وإن كانت نشابته بغير نصل، فإنّه يريد رسالة إلى امرأة ولا يصيب رسولاً، فإن كانت بلا فوق، فإنّ الرسول غير حازم. واضطراب السهم خوف الرسول على نفسه. فإن رأى أنّه رمى سهماً فأصاب، فإنّه إن رجا ولداً، كان ذكراً.
والنشاب قول الحق والرد على من لا يطيع الله. فإن أصاب، قبل قوله. وإن أخطأ، لم يقبل قوله. والسهم الواحد المنكوس إذا رأته امرأة في الجعبة، فهو انقلاب زوجها عنها. وقيل من رأى قوساً يرمى منها سهام، فإنّ القوس أب. وربما كان النشاب رجلاً رباه غير أبيه. والسهم ولاية، وقيل من رأى بيده سهماً، فإنّه ينال ولاية وعزاً ومالاً. وقيل من رأى بيده نشاباً أتاه خبر سار. ورأى رجل كأنّه يضرب بالنشاب، فقص رؤياه على معبر فقال: إنك تنسب إلى النميمة والغمز، فكان كذلك.
وانكسار القوس عجزه من أداء الرسالة. والسهم للمرأة زوجها، والجعبة قيل هي كورة وبلد. فمن رأى أنّه أعطي جعبة أصاب سلطاناً. وقيل الجعبة امرأة حافظة، أو هيبة على الأعداء، والجعبة ولاية لأهل الولاية. وللعرب امرأة. والرمي بالسهام في الأصل كلام في رسائل. والقوس امرأة سريعة الولادة، أو ولد أو أخ أو سفر أو قربة إلى الله تعالى. والقوس في غلاف غلام في بطن أمه. والقوس مع غيره من السلاح سلطان وعز. ومن ناول امرأته قوساً ولدت بنتاً، فإن ناولته المرأة قوساً، رزق ابناً. ومد القوس بغير سهم دليل السفر. ومن رأى كأنّه مد قوساً عربية، فإنّه يسافر إلى رجل شريف سفراً في عز، فإن كانت القوس فارسية، سافر إلى قوم عجم.
وانقطاع الوتر دليل العاقة عن السفر، ويدل على طلاق المرأة. وانكسار القوس دليل موت المرأة أو الولد والشريك أو بعض الأقرباء، وربما دلت القوس على ولاية، وانكسارها على العزل. وصعوبة القوس دليل للمسافر على كثرة التعب، وللتجار على الخسران، وفي الولد على العقوق، وفي المرأة على النشوز، وسهولتها تدل على الضد من ذلك، وإن رمى عنها سهماً فأصاب الغرض، نال مراده. وربما تدل رؤية القوس على القرب من بعض الأشراف، لقوله تعالى: {ثمَّ دَنَا فَتَدَلّى} الآية.
ومن مد قوساً بلا سهم سافر سفراً بعيداً وعاد صالح الحال، فإن انقطع الوتر، أقام بالموضع الذي سافر إليه إن كان وصل إليه. وإن انكسرت قوسه أصابه مصيبة في سلطانه بأمرِه ونهيه. والرمي عن قوس البندق قذف من يرميه. ومن اتخذ قوساً أصاب ولداً غلاماً وازداد سلطاناً. ومن رأى أنّه ينحت قوساً وكان عزباً ونوى التزوج، فإنّه يتزوج وتحبل امرأته عند دخوله بها. وإن تولى ولاية فإنّ الرعية لا تطيعه. وإنّما جعل تأويل القوس امرأة، لقول الناس: المرأة كالقوس، إن سويتها انكسرت. والقوس المنسوب إلى الولد يكون ولداً صاحب كتابة ورسالات وإن مد قوساً لها صوت صافٍ فرمى عنها ونفذ السهم، فإنه يلي ولاية مهيبة وينفذ أمره على العدل والإنصاف. وقيل من رأى بيده قوساً مكسورة تزوج امرأة حرة.
وأما المنجنيق والقذيفة فيدلان على قذف وبهتان. فإن رأى كأنّه يرمي بهما حصناً من حصون الكفار قاصداً فتحه، فإنّه يدعو قوماً إلى خير. وحجر المنجنيق رسول فيه قسوة.
ومن رأى كأنّه يرمي الحجر من مكان مرتفع نال ملكاً وجار فيه. والصخور التي على الجبل أو في أسفله من غيره فهم رجال قلوبهم قاسية في الدين. فإن رأى أنه يشيل حجراً لتجربة القوة. فإنه يقاتل بطلاً قوياً معيناً قاسياً. فإن شاله كان غالباً، وإن عجز عنه فهو مغلوب.
رأى رجل أبو بنات وكان مقلاً كأن صخرة دخلت داره، فقص رؤياه على معبر، فقال: يولد لك غلام قاسي القلب، فعرض له أنّه زوج ابنته رجلاً فاسد الدين.
ورأى رجل كأنّ حصاة وقعت في أذنه فنفضها فزعاً فخرجت، فقص رؤياه على ابن سيرين فقال: هذا رجل جالس أهل البدع فسمع كلمة قاسية مجتها أذنه.
ومن رأى أنّه رمى إنساناً بحجر في مقلاع، فإنّ الرامي يدعو إلى المرمى في أمر حق في قسوة قلب. وقيل من رأى كأنّ النساء رمينه بالحجارة، فإنهن بالسحر يكدنه.
والدبوس أخ موافق، أو ولد ذكر، أو خادم يذب عن صاحبه مشفق عليه. والطبرزين عز وسلطان، وللتاجر ربح. وأما الدرع فحصن، ولابسه ينال سلطاناً عظيماً.
ولبس السلاح كله جنة من الأعداء. والدرع حصانة الدين. وهو للعامة نعمة ووقاية من البلايا والمكايد. قال الله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُم الحرِّ وسَرَابِيلَ تَقِيْكُمْ بأسَكُمْ ڪَذلِكَ يُتم نِعْمَتَهُ عَلَيْكمْ}. وقال عزّ وجلّ: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ}.
ومن رأى كأنّه يصنع درعاً: فإنّه يبني مدينة حصينة. ولبس الدرع أيضاً يدل على أخ ظهير أو ابن شفيق. ولبسه للتجارة فضل يصير إليه من تجارة دائمة وأمن وحفظ. وقيل الدرع مال وملك. وقيل إنّ ما كان من السلاح تغطي مثل الترس والبيضة والجوشن والصدور والساق، فإنّه يدل على ثياب كسوة، والجوشن مثل الدرع، إلا أنّه أحصن وأحفظ وأقوى. وقيل إنّ لبسه يدل على التزويج بامرأة قوية عزيزة، وحسناء ذات مال. وأما المغفر والبيضة، فمن رأى على رأسه مغفراً أو بيضة، فإنّه يأمن نقصان ماله، وينال عزاً وشرفاً. وقيل إنّ البيضة إذا كانت ذات قيمة مرتفعة، دلت على امرأة غنية جميلة، وإذا كانت غير مرتفعة، دلت على امرأة قبيحة وقيل من رأى بيضة حديد، بلغ وسيلة عظيمة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {رأيت كأنّي في درع حصينة، فأولتها المدينة. وأني مردف كبشاً، فأولته كبش الكتيبة. ورأيت كأنّ بسيفي ذي الفقار فلاً، فأولته فلاً يكون فيكم، ورأيت بقراً تذبح، فأولته القتلى من أصحابي}.
والساعدان من الحديد هما من رجال قراباته، فمن رؤي عليه ساعدان، فإنّه يقوى على يدي رجل من قراباته. وقيل إنّه يصحب رجلين قويين عظيمين وربما وقع التأويل على ابنه أو أخيه. ومن رأى عليه ساقين من حديد، فهما ولد وقوة في سفر.
والترس رجل أديب كريم الطبع مطيع كاف لإخوانه في كل شيء من الفضائل، حافظ لهم ناصر لهم يقيهم المكاره والأسواء. وقيل هو يمين يحلف بها. وقيل هو ولد ذاب عن أبيه. والترس الأبيض رجل ذو دين وبهاء، والأخضر ذو ورع، والأحمر صاحب لهو وسرور، والأسود ذو مجال وسؤدد، والملون ذو تخاليط، وإن رأى مع الترسِ أسلحة، فإنّ أعداءه لا يصلون إليه بمكروه. فإن رأى صائغ أو تاجر أنّ ترساً موضوعاً عند متاعه أو في حانوته أو عند معامليه، فإنّه رجل حلاف. وقد جعل يمينه جنة لبيعه وشرائه، لقوله تعالى: {اتَّخَذُوا أيْمَانَهُمْ جُنّةً}.
ومن رأى معه ترساً وكان له ولد، فإنّ ولده يكفيه المؤن كلها ويقيه الأسواء والمكاره. وقيل من تترس بترس، فإنّه يلجأ إلى رجل قوي يستظهر به. وقيل إنّ الترس إذا كان ذا قيمة يدل على امرأة موسرة جميلة، وإلا فهو امرأة قبيحة. فإن رأى أنّ عليه أسلحة وهو بين رجال لا أسلحة عليهم، نال الرياسة على قوم. فإن كان القوم شيوخاً فهم أصدقاؤه، وإن كانوا شباناً فهم أعداؤه. وقيل إن كان صاحب هذه الرؤيا مريضَاً دلت على موته.
وصوت الطبل الموكبي خبر كذب. وتمزق طبل الملك موت صاحب خبره. وقيل الطبل الموكبي رجل حماد الله تعالى على كل حال. والطبل الذي يدلدل، يدل على اغترار وصلف. والدبادب أغنياء بخلاء. ومن رأى على بابه الدبادب والصنوج تضرب، نال ولاية في العجم. والبوق من القرن خادم في رياسة.
والمبارزة تدل على خصومة إنسان أو على تشتيت واختلاف وقتال مع آخر، وذلك أنّ المبارزة أول المقاتلة، وتكون أيضاً مع سلاح تدل على المقاتلين، وهذه الرؤيا تدل على تزويج امرأة تشاكل ما رأى النائم إن كان مسلحاً بأنواع السلاح في مبارزته. والإنسان إذا رأى أنّه مبارز بالسلاح الذي هو عندنا أو نوع من الجواشن، فإنّ الرؤيا تدل على أنّه يتزوج امرأة غنية خدامة محبة للفقراء لا شكل لها، أما غنية فلأنّ السلاح يغطي بعض البدن، وأما خدامة فلأنّ سيف المبارزة ليس بقائم ظاهر، وأما محبة للفقراء فلأنّ هذا السلاح لا يغطي البدن كله.
والضرب بالسيف إصابة شرف في سبيل الله. ورؤية السيف المشهور بيد رجل اشتهاره بعمل يعمله. والطعن بالرمح طعن بكلام. وكذلك بالسيف والعصا والعمود. فإن أشار بأحد هذه الأشياء ولم يطعن فإنّه يهم بكلام ولا يتكلمه. والمناضلة إن كانت في سبيل الله وكان هو المرمى والمصاب بالسهم، فإنّه ينال حاجته من القربة إلى الله تعالى. وإن كانت في الدنيا فإنّه يناله شرفها. أتى ابن سيرين رجل فقال: رأيت صفين من الناس يرمي كل صف منهما الصف الآخر، فكان أحد الصفين يرمون فيصيبون، والآخرون يرمون فلا يصيبون قال: هؤلاء فريقان بينهما خصومة، والمصيبون يعملون بالحق، والمخطئون يتكلّمون بالباطل.
والرمي بالسهم إذا أصاب وكان في سبيل الله فإنّ الله يستجيب دعوته. وإذا كان لأجل الدنيا أصاب عزها.
وأما الجراحات فمن رأى أنّه جرح في يديه، فإنّ ذلك مال يصير إليه. وإن جرح في يده اليمنى فإنّه مال يفيده من قرابة له من الرجال، وفي اليسرى من قرابة له من النساء. فإنّ جرح في رجله اليسرى، فمال من الحرث والزرع، فإن جرح في عقبه أصاب مالاً من جهة عقبه وولده. والجراحة في إبهام يده اليمنى، دليل على ركوب الدين إياه. وكل جراحة سائلة نفقة وضرر في المال. ومن رأى بجسده جراحة طرية يسيل منها الدم، فإنّها مضرة لصاحبها في مال وكلام من إنسان يقع فيه ويصيب على ذلك أجراً. والجراحة في الرأس ولم يسل منها الدم، فإنه قد قرب من أن يصيب مالاً. فإن سال منها الدم، فإنه مال يبين أثره عليه. فإن رأى سلطان أو إمام أنه جرح في رأسه حتى بضعت جلدته والعظم، فإنّه يطول عمره ويرى أترابه يموتون قبله، فإن هشمت العظم انهزم جيش له. فإن جرح في يده اليسرى زاد عسكره. فإن جرح في اليمنى زاد ملكه. فإن جرح في بطنه زاد مال خزانته. فإن جرح في فخذه زادت عشيرته. فإن جرح في ساقه طال عمره. وإن جرح في قدميه زاد في الأمور استقامة في المال وثباتاً.
فإن رأى كأنّ إنساناً قطع أعضاءه وفرقها، فإنّ القاطع يتكلم في أمره بكلام حق يورث ذلك ويفرق أولاده ويشتتهم في البلاد. فإن رؤي تلطخ الجارح بدم المجروح، فإنّه يصيب مالاً حراماً بقدر الدم الذي تلطخ به. ومن جرح كافراً وسال من الكافر دم، فإنّه يظفر بعدو له ظاهر العداوة، وينال منه مالاً حلالاً بقدر الدم الخارج منه. ومن رأى كأنّ إنساناً جرحه ولم يخرج منه دم، فإنّ الجارح يقول فيه قولاً حقاً جواباً له. فإن خرج دم، فإنّه يغتابه بما يصدق فيه، ويخرج المضروب من إثم. وقيل من رأى كأنّه جرح بشيء من الحديد بسكين أو غيرها، فإنّه تظهر مساوئه ومعايبه لا خير فيه.
وقال بعضهم: من رأى في بعض أعضائه جرحاً، فإنّ التعبير فيه للعضو الذي حلّت فيه الجراحة. فإن كانت في الصدر هو الفؤاد، فإنّها في الشباب من الرجال والنساء تدلت على عشق، وأما المشايخ والعجائز فإنّها تدل على حزن.
وأما القتل، فمن رأى أنّه قتل إنساناً فإنّه يرتكب أمراً عظيماً. وقيل إنّه نجاة من غم، لقوله تعالى {وَقَتَلْتَ نَفْسَاً فَنَجّيْنَاكَ مِنَ الغَمِّ وفَتَنّاكَ فُتوناً}.
ومن رأى أنّه يقتل نفسه أصاب خيراً وتاب توبة نصوحا، لقوله تعالى: {فَتُوبُوا إلى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ} الآية. ومن رأى أنّه يقتل فإنّه يطول عمره. ومن رأى كأنّه قتل نفساً من غير ذبح، أصاب المقتول خيراً. والأصل أنّ الذبح فيما لا يحل ذبحه ظلم. فإن رأى أنّه ذبحه ذبحاً، فإدن الذابح يظلم المذبوح في دينه، أو معصية يحمله عليها. وأما من قتل أو سمى قتيلاً وعرف قاتله، فإنّه ينال خيراً وغنىً ومالاً وسلطاناً. وقد ينال ذلك من القاتل أو من شريكه، لقوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهُ سلطانَاً}. وإن لم يعرف قاتله، فإنّه رجل كفور يجري كفره على قدره، إما كفر الدين وإما كفر النعمة، لقوله تعالى: {قُتِلَ الإنسانُ ما أكْفَرَهُ}. ومن رأى أنه مذبوحاً لا يدري من ذبحه، فإنّه رجل قد ابتدع بدعة أو قلد عنقه شهادة زور وحكومة وقضاء. وأما من ذبح أباه أو أمه أو ولده، فإنّه يعقه ويتعدّى عليه. وأما من ذبح امرأة فإنه يطؤها. وكذلك إن ذبح أنثى من إناث الحيوان، وطىء امرأة أو افتضّ بكراً، ومن ذبح حيواناً ذكراً من ورائه، فإنّه يلوط، فإنّ رأى أنّه ذبح صبياً طفلاً وشواه ولم ينضج للشواء، فإنّ الظلم في ذلك لأبيه وأمه. فإن كان الصبي موضعاً للظلامة، فإنّه يظلم في حقه، ويقال فيه القبيح، كما نالت النار من لحمه ولم ينضج، ولو كان ما يقال فيه لنضج الشواء، فإن لم يكن الصبي لما يقال فيه ويظلم به موضعاً، فإنّ ذلك لأبويه، فإنّهما يظلمان ويرميان بكذب، ويكثر الناس فيهما، وكل ذلك باطل ما لم تنضج النار الشواء، فإن رأى الصبي مذبوحاً مشوياً، فإنّ ذلك بلوغ الصبي مبلغ الرجال، فإن أكل أهله من لحمه نالهم من خيره وفضله، فإن رأى أنّ سلطاناً ذبح رجلاً ووضعه على عنق صاحب الرؤيا بلا رأس، فإنّ السلطان يظلم إنساناً ويطلب منه ما لا يقدر عليه، ويطالب هذا الحامل تلك المطالبة، ويطالبه بمال ثقيل ثقل المذبوح، فإنّ عرفه فهو بعينه، وإن لم يعرفه وكان شيخاً فإنّه يؤاخذه بصديق ويلزمه بغرامة على قدر ثقله وخفته. وإن كان شاباً أخذ بعدو وغرم، وإن كان المذبوح معه رأسه فإنّه يؤذن به ولا يغرم، وتكون الغرامة على صاحبه، ولكن ينال منه ثقلاً وهماً. والمملوك إذا رأى أنّ مولاه قتله فإنه يعتقه.
وأتى ابن سيرين رجل فقال: رأيت امرأة مذبوحة وسط بيتها تضطرب على فراشها. فقال له ابن سيرين: ينبغي أن تكون هذه المرأة قد نكحت على فراشها في هذه الليلة. وكان الرجل أخاً وكان زوجها غائباً، فقام الرجل من عند ابن سيرين وهو مغضب على أخته مضمر لها الشر، فأتى بيته فإذا بجارية أخته وقد أتته بهدية وقالت: إنّ سيدي قدم البارحة من السفر. ففرح الرجل وزال عنه الغضب.
وأتت ابن سيرين امرأة فقالت: رأيت كأني قتلت زوجي مع قوم. فقال لها: إنك حملت زوجك على إثم فاتّقي الله عزّ وجلّ. قالت صدقت.
وأتاه آخر فقال: رأيت كأنّي قتلت صبياً وشويته. فقال إنك ستظلم هذا الصبي بأن تدعوه إلى أمر محظور.
أما ضرب الرقبة، فمن ضربت رقبته وبان عنه رأسه، فإن كان مريضاً شفي. وإن كان مديوناً قضي دينه، وإن كان صرورة حج، وإن كان في خوف أو كرب فرج عنه، فإن عرف الذي ضرب رقبته، فإنّ ذلك يجري على يديه، فإن كان الذي ضربها صبياً لم يبلغ، فإنّ ذلك راحته وفرجه مما هو فيه من كرب المرض، إلى ما يصير إِليه من فراق الدنيا وهو موته على تلك الحال. وكذلك لو رأى وهو مريض وقد طال مرضه وتساقطت عنه ذنوبه، أو هو معروف بالصلاح. فهو يلقى الله تعالى على خير حالاته ويفرج عنه ما هو فيه من الكرب والبلاء. وكذلك المرأة النفساء، والمريض، والمبطون، أو من هو في بحر، العدو. وما يستدل به على الشهادة، فإن رأى ضرب العنق لمن ليس به كرب ولا شيء مما وصفت، فإنّه ينقطع ما هو فيه من النعيم، ويفارقه بفرقة ويزول سلطانه عنه، ويتغير حاله في جميع أمره. فإن رأى كأنّ ملكاً أو والياً يضرب عنقه، فإنّ تأويل الوالي هو الله تعالى ينجيه من همومه ويعينه على أموره. فإن رأى كأنّ ملكاً ضرب رقاب رعيته، فإنّه يعفو عن المذنبين ويعتق رقابهم. وضرب الرقبة للملوك عتقه أو بيعه. وللصيارفة وأرباب رؤوس الأموال فإنّها تدل على ذهاب رؤوس أموالهم. وتدل في المسافرين على رجوعهم. ومن رأى رأسه في يده. فإنّه صالح لمن لم يكن له أولاد، ولم يكن متزوجاً، ولم يقدر على الخروج في سفر. ومن رأى كأنّ سلطاناً ضرب أوساط رعيته فإنّه ينتصف منهم. ومن رأى كأنّه جعل نصفين وحمل كل نصف منه إلى موضع، فإنّه يتزوج امرأتين لا يقدر على امساكهما بالمعروف، ولا تطيب نفسه على تسريحهما. وقيل من رأى ذلك فرق بينه وبين ماله.
والدم مال حرام أو إثم، فإن رأى أنّه يتشحط في الدم فإنّه يتقلّب في مال حرام أو إثم عظيم. فإن رأى على قميصه دماً من حيث لا يعلم، فإنّه يكذب عليه من حيث لا يشعر، لقصة يوسف عليه السلام. فإن رأى قميصه تلطخ بالدم دم سنور فإنّه يكذب عليه سلطان غشوم ظلوم. فإن تلطخ بدم كبش، فإنّه يكذب عليه رجل شريف غني منيع. وكذلك دم جميع الحيوان، فإنّه يكذب عليه من ينسب إلى ذلك الحيوان. فإن رأى أنّه شرب دم إنسان، فإنّه ينال مالاً ومنفعة وينجو من كل فتنة وبلية وشدة.
وقيل من شرب دم الناس ارعوى من إثم ونجا منه. ومن وقع في بئر من دم فإنّه يبتلى بدم أو مال حرام. وسيلان الدم من الجسم صحة وسلامة. وإن كان غائباً رجع من سفره سالماً.
وذكر رجل من الأزد قال: صلّى معنا رجل من عظمائنا صلاة العشاء الآخرة صحيحاً بصيراً، فأصبح وهو أعمى، فأتنياه وقلنا له ما هذا الذي طرقك؟ قال: أتيت في منامي فأخذت، فذهب بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا هو قاعد وبين يديه طشت مملوء دماً، قال إنك كنت فيمن قاتل الحسين؟ قلت نعم، فأخذ إصبعي هاتين يعني السبابة والوسطى فغمسهما في الدم ثم قال بهما هكذا في عيني. وأومأ بإصبعيه، قال: فأصبحت لا أبصر شيئاً.
وجاء رجل إلى ابن المسيب فقال: رأيت كأنّ في يدي قطرة من دم، وكلما غسلتهما ازدادت إشراقاً. فقال: أنت رجل تنتفي من ولدك فاتق الله واستلحقه.
وقال سفيان رأيت كأنّ على ثوبي دماً، فلما أصبحت خرجت إلى المسجد، وكان على بابه معبر فقصصت رؤياي عليه، فقال: يكذب عليك. فكان كما قال.
وأما الصلب فهو على ثلاثة أضرب: صلب مع الحياة، وصلب مع الموت، وصلب معِ القتل، فمن رأى كأنّه صلب حياً أصاب رفعة وشرفاً مع صلاح دينه، ومن صلب ميتاً أصاب رفعة مع فساد دينه، ومن صلب مقتولاً نال رفعة ويكذب عليه. ومن رأى كأنّه مصلوب ولا يدري متى صلب، فإنّه يرجع إليه مال قد ذهب عنه، وقال بعضهم: للأغنياء رديء ربما كان فقراً، لأنّ المصلوب يصلب عارياً، وللفقراء دليل غنى. وفي مسافري البحار دليل المراد من أسفارهم، والنجاة من الأهوال، لأنّ الخشبة مركب من خشب، وشبيه بذيل السفينة. وقيل إن صلب العبد عنقه. وقال بعضهم من رأى كأنّه مصلوب على سور المدينة والناس ينظرون إليه، نال رفعة وسلطاناً، وتصير الأقوياء والضعفاء تحت يده، فإن سال منه الدم فإنّ رعيته ينتفعون به.
ومن رأى كأنّه يأكل لحمِ مصلوب، نال مالاً ومنفعة من جهة رئيس مرتفع وقيل إنّه يدل على أنّه يغتاب سلطاناً أو رئيساً دونه، إذا لم يكن لما يأكل أثر.
وأما الهزيمة، فللكفار هي بعينها، لقوله تعالى: {وَقَذَفَ في قُلُوبِهِمْ الرًّعْبَ}. وللمؤمنين ظفر في الحرب. ومن رأى جنداً عادلين دخلوا بلدة منهزمين، رزقوا النصر والظفر وإن كانوا ظالمين حلت بهم عقوبة ومن رأى الفرار من الموت أو القتل، دل على قرب أجله. لقولْه تعالى: {قلْ لنْ يَنْفَعَكُم الفِرَارُ إنْ فَرَرْتمْ مِنْ المَوتِ أو القَتْل} الآية. وقيل إنّ الفرار منِ العدو أمن وبلوغ مراد. لقوله تعالى: {فَفرَرْت مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لي رَبِّي حُكْماً}. ومن دعا رجلاً وهو يفر منه، فإنّه لا يقبل قوله ولا يطيعه، لقوله تعالى: {فَلَمْ يَزدنيْ دُعَائي إلا فرَاراً}. وقيل الفرار أمان، لقوله تعالى: {فَفِروا إلى الله انِّي لَكمْ مِنْهُ نذِيرٌ مُبِين}. ومن اختفى من عدوه فإنّه يظفر به. فإن اطلع عليه العدو أصابته نائبة من عدوه فإن ارتعد أو ارتعش أو ارتخت مفاصله، أصابه هم ولا يقوى به. ورؤية الخيل يتراكضون في بلده أو محله فإنها أمطار وسيول. والخوف أمن، والأسر هم شديد.
وأما القيد، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أحب القيد وأكثره الغل، والقيد ثبات في الدين. فإن كان من فضة، فهو ثبات في أمر التزويج، وإن كان من صفر، فثبات في أمر مكروه. وإن كان من رصاص، فثبات في أمر فيه وهن وضعف. وإن كان حبلاً فهو ثبات في الدين، لقوله تعالى: {واعْتَصِمُوا بِحَبْل الله}. وإن كان من خشب، فهو ثبات في نفاق. وإن كان من خرقة أو خيط، فهو مقام في أمر لا دوام له.
وإن كان المقيد صاحب دين أو في مسجد، فهو ثباته على طاعة الله تعالى وإن كان ذا سلطان ورأى مع ذلك تقلد سيف، فهو ثباته على طاعة الله تعالى. وإن كان من أبناء الدنيا، فهو ثباته في عصارتها. والقيد للمسافر عاقة عن سفره، وللتجار متاع كاسد يتقيدون به. والمهموم دوام همه. وللمريض طول مرضه. ومن رأى أنّه مقيد في سبيل الله، فهو يجتهد في أمر عياله مقيماً عليهم. وإن رأى أنّه مقيد في بلدة أو في قرية، فهو مستوطنها فإن رأى أنّه مقيد في بيت، فهو مبتلي بامرأة. فإن رأى القيد ضيقاً فإنّه يضيق عليه الأمر فيها. والقيد للمسرور دوام سروره وزيادته. وإن كان المقيد رأى أنّه ازداد قيداً آخر، فإن كان مريضاً فإنّه يموت فيه. وإن كان في حبس طال حبسه. ومن رأى أنّه مرِبوط إلىِ خشبة، فإنّه محبوس في أمر رجل منافق. ومن رأى أنّه مقيد وهو لابس ثياباً خضراً، فمقامه في أمر الدين واكتساب ثواب عظيم الخطر، وإن كانت بيضاء، فمقامه فى أمر علم وفقه وبهاء وجمال. فإن كانت حمراء، فمقامه في أمر لهو وطرب. وإن كانت صفراء، فمقامه في مرض. ومن رأى أنّه مقيد بقيد من ذهب، فإنّه ينتظر مالاً قد ذهب له. فإن رأى أنّه مقيد في قصر من القوارير، فإنّه يِصحب امرأة جميلة وتدوم صحبتها معه. وإن كان على سفر أقام بسبب امرأة. ومن رأى أنّه مقرون مع رجل آخر في قيد، دل على أكتساب معصية كبيرة يخاف عليها انتقام السلطان. لقوله تعالى: {وتَرَى المُجْرِمينَ يَوْمئِذٍ مُقَرَّنِينَ في الأصْفَادِ}. وقيل: إنّ القيد في الأصل هرم وفقر. وقال بعضهم أنّ المقيد يدل على السفر، لأنه يغير المشية.
وأما الغل، فمن رأى يده مغلولة إلى عنقه، فإنّه يصيب مالاً لا يؤدي زكاته.
وقيل إنّه يمنع عن معصية. فإن رأى كأنّ يديه مغلولتان دل على شدة بخله. فإن كان الغل من ساجور وهو الذي حوله حديد ووسطه خشب، دل على نفاقه. ومن رأى أنّه مقيد مغلول، فهو كافر يدعي إلى الإسلام. ومن رأى أنّه أخذ وغل، فإنّه يقع في شدة عظيمة من حبس أو غيره، لقّوله تعالى: {خُذُوهُ فغُلوهُ}.
وأتت ابن سيرين امرأة فقالت: رأيت رجلاً عليه قيد وغل وساجور، فقال لها: الغل والسماجور من خشب، فهذا رجل يدعي أنّه من العرب وليس بصادق في دعواه. فكان كما قال.
وحكي أنّ الإمام الشافعي رأى في الحبس كأنّه مصلوب مع أمير المؤمنين رضي الله عنه على قفاه، فبلغت رؤياه بعض المعبرين فقال: إن صاحب هذه الرؤيا سينشر ذكره ويرتفع صيته، فبلغ أمره إلى ما بلغ.
وأتى ابن سيرين رجل في زمن يزيد بن المهلب فقال: رأيت كأنّ قتادة مصلوب، فقال: هذا رجل له شرف وهو يسمع منه. فكان قتادة في تلك الأيام يثبط الناس عن الخروج مع يزيد، ويحملهم على القعود
والسلسلة: تدل على ارتكاب معصية عظيمة، لقوله تعالى: {إنا اعتدّنَا لِلْكافِرينَ سلاسل}. والسلسلة في عنق الرجل تزوج امرأة سيئة الخلق، ومن ربط بسلسلة دل على حزن فيه أو في المستقْبل وأما دخول الحبس: فلا يحمد البته. ويدل على طول المرض، وامتداد الحزن إن دخله برأي نفسه أو أكرهه غيره على دعوته، نعوذ بالله من البلاء.
وأما المصالحة فتدل على ظهور خير، لقوله تعالى: {والصلْحُ خَيْر}. والدعوة إلى الصلح دعوة إلى الصلاح والهدى، والنهي عن الصلح يدل على أنّ صاحبه مناع للخير، والصلح يدل على السلامة، فإنّ أحد معانيه السلم.
تفسير الاحلام لابن سيرين – الباب الحادي والثلاثون: في الحرب وحالاتها و الأسلحة وآلاتها والقتل والصلب و الحبس والقيد وأشباه ذلك