تفسير الاحلام لابن سيرين – الباب السابع عشر: في رؤيا القيامة و الحساب و الميزان و الصحائف و الصراط
تفسير الاحلام لابن سيرين – الباب السابع عشر: في رؤيا القيامة و الحساب و الميزان و الصحائف و الصراط
أخبرنا الحسن بن بكير بعكا قال: حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الأزرعي عن عبد الرحمن بن واصل، عن أبي عبيد التستري، قال: رأيت كأنّ القيامة قد قامت، وقد اجتمع الناس، فإذا المنادي ينادي: أيها الناس، من كان من أصحاب الجوع في دار الدنيا، فليقم إلى الغداء. فقام الناس واحداً بعد واحد، ثم نوديت يا أبا عبيد قم، فقمت وقد وضعت الموائد، فقلت لنفسي: ما يسرني أتى.
ثم أخبرنا أبو الحسن الهمذاني بمكة حرسها الله، قال: حدثنا محمد بن جعفر، عن أحمد بن مسروق قال: رأيت في المنام كأنّ القيامة قد قامت، والخلق مجتمعون، إذ نادى مناد الصلاة جامعة، فاصطف الناس صفوفاً، فأتاني ملك عرض وجهه قدر ميل، في طول مثل ذلك، قال تقدم فصل بالناس، فتأملت وجهه، فإذا بين عينيه مكتوب جبريل أمين الله، فقلت فأين النبي صلى الله عليه وسلم، فقال هو مشغول بنصب الموائد لإخوانه من الصوفية، وذكر الحكاية.
قال الأستاذ أبو سعد رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: {و نَضَعُ الموَازِين القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلاَ تُظلَمُ نَفسٌ شَيْئَاً}. فمن رأى كأنّ القيامة قد قامت في مكان، فإنّه يبسط العدل في ذلك المكان لأهله فينتقم من الظالمين هناك وينصر المظلومين، لأنّ ذلك يوم الفصل والعدل، ومن رأى كأنّه ظهر شرط من أشراط الساعة بمكان، مثل طلوع الشمس من مغربها، وخروج دابة الأرض، أو الدجال، أو يأجوج ومأجوج، فإن كان عاملاً بطاعة الله عزّ وجلّ، كانت رؤياه بشارة له، وإن كان عاملاً بمعصية الله أو هاماً بها، كانت رؤياه له نذيراً. فإن رأى كأنّ القيامة قد قامت وهو واقف بين يدي الله عزّ وجلّ، كانت الرؤيا أثبت وأقوى، وظهور العدل أسرع وأرجى.
وكذلك إن رأى في منامه كأنّ القبور قد انشقت، والأموات يخرجون منها، دلت رؤياه على بسط العدل، فإن رأى قيام القيامة، وهو في حرب نصر. فإن رأى أنه في القيامة، أوجبت رؤياه سفراً، فإن رأى كأنه حشر وحده، أو مع واحداً آخر دلت رؤياه على أنّه ظالم، لقوله تعالى: {احشُرُوا الذِينَ ظَلَمُوا وأزْوَاجَهُمْ}.
فإن رأى كأنّ القيامة قد قامت عليه وحده، دلّت رؤياه على موته، لما روي في الخبر أنّه من مات قامت قيامته. فإن رأى القيامة قد قامت، وعاين أهوالها، ثم رأى كأنها سكنت، وعادت إلى حالها، فإنّها تدل على تعقب العدل الظلم من قوم لا يتوقع منهم الظلم. وقيل إنّ هذه الرؤيا يكون صاحبها مشغولاً بارتكاب المعاصي وطلب المحال، مسوفاً بالتوبة أو مصراً على الكَذب، لقوله تعالى: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون}.
ومن رأى كأنّه قرب من الحساب فإن رؤياه تدل على غفلته عن الخير، وإعراضه عن الحق، لقوله تعالى: {اقتَرَبَ للنّاس حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلةٍ معْرِضُون}. فإن رأى كأنّه حوسب حساباً يسيراً، دلت رؤياه على شفقة زوجته عليه، وصلاحها وحسن دينها. فإن رأى كأنّه حوسب حساباً شديداً، دلت رؤياه على خسران يقع له، لقوله تعالى: {فَحَاسَبْنَاه حِسَاباً شَدِيداً}.
فإن رأى كأنّ الله سبحانه وتعالى يحاسبه، وقد وضعت أعماله في الميزان فرجحت حسناته على سيئاته، فإنّه في طاعة عظيمة، ووجبت له عند الله مثوبة عظيمة، وإن رجحت سيئاته على حسناته، فإن أمر دينه مخوف. وإن رأى كأن الميزان بيده، فإنّه على الطريقة المستقيمة، لقوله تعالى: {وأنْزَلنَا معَهُم الكِتابَ والميزَانَ}. فإن رأى كأنّ ملكاً ناوله كتاباً، وقال له اقرأ، فإن كان من أهل الصلاح نال سروراً، وإن لم يكن كان أمره مخوفاً، لقوله تعالى: {اقرأ كتابك}.
فإن رأى أنّه على الصراط فإنّه مستقيم على الدين. فإن رأى أنّه زال عن الصراط والميزان والكتاب، وهو يبكي، فإنه يرجى له إن شاء الله تسهيل أمور الآخرة عليه.
تفسير الاحلام لابن سيرين – الباب السابع عشر: في رؤيا القيامة و الحساب و الميزان و الصحائف و الصراط