قد ذكرنَا الْفُصُول الْمَقْصُودَة قبل الْأَبْوَاب، وَنحن الْآن نذْكر الْأَبْوَاب إِلَى آخر الْكتاب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
باب: الْبَاب الأول
رؤية الله في المنام – تفسير الاحلام لابن نعمة
فِي رُؤْيَة الْبَارِي جلّ وَعلا وَالْمَلَائِكَة والأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام وَالصديقين وَالصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ
رُؤْيَتهمْ فِي الصِّفَات الْحَسَنَة، أَو إقبالهم على الرَّائِي: دَلِيل على الْبشَارَة وَالْخَيْر وَالرَّحْمَة، ورؤيتهم فِي الصِّفَات النَّاقِصَة: دَال على النَّقْص فِي الرَّائِي.
فَإِذا رأى أحد الْبَارِي عز وَجل – أَو أحد هَؤُلَاءِ – قد قربه، أَو أجلسه مَوْضِعه، أَو كَلمه، أَو وعده بِخَير: فبشارة لَهُ بِرَفْع الْمنزلَة. فَإِن كَانَ يَلِيق بِهِ الْملك: ملك، أَو الْولَايَة: تولى، أَو الْقَضَاء أَو التدريس: حصل لَهُ ذَلِك، أَو حكم على أَرْبَاب صَنعته، أَو تقرب من الْملُوك، أَو الْولاة، أَو الْقُضَاة، أَو الْعلمَاء، أَو الزهاد، أَو أَرْبَاب المناصب. وَرُبمَا نَالَ خيرا من الْحَاكِم عَلَيْهِ كَأحد أَبَوَيْهِ، أَو سَيّده، أَو أستاذه. وَإِن كَانَ كَافِرًا: أسلم. أَو مذنباً: تَابَ، أَو يقْصد أكبر مَوَاضِع عِبَادَته.
وَأما من رَآهُمْ فِي صفة نَاقِصَة، أَو تهددوه، أَو أَعرضُوا عَنهُ: تغير عَلَيْهِ كبيره. كالسلطان، وَالْحَاكِم، والعالم، وَالسَّيِّد، وَالْوَالِد، والعريف، وَنَحْوهم. وَرُبمَا تغير دينه.
مَجِيء الباريء عز وَجل إِلَى الْمَكَان الْمَخْصُوص، أَو تجليه عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي الصِّفَات الْحَسَنَة: دَال على نصر المظلومين، وهلاك الظَّالِمين، لِأَنَّهُ تَعَالَى حق. وَرُبمَا دلّ على خراب ذَلِك الْموضع.
رؤية العرش
قَالَ المُصَنّف: – لما أَن اخْتصَّ الله بِأُمُور من جُمْلَتهَا الْعَرْش والكرسي واللوح والقلم وَالْمَلَائِكَة والأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام – وَدَلِيل ذَلِك أَنه لم يرد فِي الْأَخْبَار أَنه من عمل صَالحا أعطيناه كَذَا وَكَذَا ملكا من الْمَلَائِكَة بل اختصوا بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء مختصون بِهِ – فَصَارَ حكمهم حكمه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلم يرد أَن الله تَعَالَى يُعْطي الْعَرْش لأحد وَلَا الْكُرْسِيّ وَلَا اللَّوْح وَلَا الْقَلَم. وَإِذا كَانَ ذَلِك دلّ على أَنهم إِذا أبصروا فِي الْمَنَام جعلناهم أَعمال الرَّائِي مِمَّا هُوَ فِيهِ من الْحَال، وَمَا يصير إِلَيْهِ أمره من خبر الدَّاريْنِ. إِلَّا أَنهم فِي غَالب الْأَحْوَال لَيْسُوا ذَلِك المرئي حَقِيقَة بل ضرب الله تَعَالَى مثلا بذلك من الْخَيْر وَالشَّر، وَلذَلِك إِذا رأى أحد أَنه صَار وَاحِدًا مِنْهُم مَا نقُول لَهُ تصير وَاحِدًا مِنْهُم بل نُعْطِيه من المناصب على قدر مَا يَلِيق بِهِ، فَإِن كَانَ فِي صِفَات حَسَنَة نقُول لَهُ أَنْت متول فِيك خير على قدر ذَلِك الْحسن، وَإِن كَانَ فِي صِفَات رديئة حذره من ذَلِك وَقل لَهُ: ارْجع عَن كَيْت وَكَيْت. إِذا عرفت ذَلِك. مِثَاله أَن يَقُول: رَأَيْت أنني على الْعَرْش أَو الْكُرْسِيّ وَقد أتلفت بعضه برجلي، تَقول لَهُ: تخون كبيرك، وَإِن أتْلفه بِيَدِهِ فَتكون الْخِيَانَة بِالْأَخْذِ أَو بِالضَّرْبِ أَو بِمن دلّت عَلَيْهِ الْيَد، وَإِن تلفه بفمه كَانَ بِكَلَام أَو بِمَا يدل السان عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ سَائِر الْأَعْضَاء. وَإِن كَانَ ذَلِك فِي اللَّوْح أَو الْقَلَم رُبمَا كَانَت فِي كتبه، أَو عُلَمَاء يَهْتَدِي بهم، أَو كِتَابه، أَو الْأُمَنَاء الحافظين لأسرار من دلّ الْبَارِي عز وَجل عَلَيْهِ من الكبراء، وَنَحْو ذَلِك. فَافْهَم وَقس عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَقد أنكر قوم رُؤْيَة الْبَارِي عز وَجل فِي الْمَنَام وَقَالَ إِنَّمَا هِيَ وساوس وأخلاط لَا حكم لذَلِك. وَهَذَا الْإِمْكَان لَيْسَ بِصَحِيح لأَنا جعلنَا ذَلِك أعمالاً للرائي، وَلَا نكابر الرَّائِي فِيمَا يرَاهُ وَغلب على ظَنّه ذَلِك، بل نقُول رَبك عز وَجل الْحَاكِم عَلَيْك فَنَنْظُر فِيمَن يحكم فَنُعْطِيه من الْخَيْر وَالشَّر على قدر مَا يَلِيق بِهِ من شُهُود الرُّؤْيَا، وَكَذَلِكَ نقُول أَنه حق سُبْحَانَهُ، فَإِن كَانَ فِي صِفَات حَسَنَة كنت على حق. وَإِن كَانَ فِي صِفَات رديئة، فَأَنت على بَاطِل. وَنَحْو ذَلِك.