تفسير الاحلام لابن سيرين – الباب السابع والعشرون: في الأطعمة و الحلاوى و اللحمان وما يتصل بها من القدر و المائدة و السفرة و القصاع و المغرفة و الاثفية
تفسير الاحلام لابن سيرين – الباب السابع والعشرون: في الأطعمة و الحلاوى و اللحمان وما يتصل بها من القدر و المائدة و السفرة و القصاع و المغرفة و الأثفية
قال المعبرون: إنّ دقيق الحنطة مال مجموع وعيال، وعجنه سفر عاجنه إلى أقاربه. والعجين مال شريف في التجارة، يحصل منه ربح كثير عاجل إن اختمر وإن لم يختمر فهو فساد وعسر في المال، وإن حمض فهو قد أشرف على الخسران. ومن رأى أنّه يعجن دقيق شعير، فإنّه يكون رجلاً مؤمناً ويصيب ولاية وثروة وظفراً بالأعداء.
والنخالة: شدة في المعيشة، وأكلها فقر.
ومن رأى أنّه يخبز خبزاً فهو يسعى في طلب المعاش لطمع منفعة دائمة. فإن خبز عاجلاً لئلا يبرد التنور، نال دولة وحصل مالاً بيده بقدر ما خرج الخبز من التنور. ومن أصاب رغيفاً فهو عمر، والرغيف أربعون سنة. فما كان فيه نقصان فهو نقصان ذلك العمر، وصفاؤه صفاء الدنيا. وقيل الرغيف الواحد ألف درهم، وخصب وبركة ورزق حاضر، قد سعى له غيره وذهب عنه حزنه لقوله عزّ وجلّ: {وقالوا الحمدُ للّه الذي أذْهَبَ عَنّا الحزنَ}.
قال المفسرون: الحزن الخبز، فإن رأى رغفاناً كثيرة من غير أن يأكلها، لقي إخواناً له عاجلاً. وإن رأى بيده رغيفاً كشكاراً، فهو عيش طيب ودين وسط. فإن كان شعيراً، فهو عيش نكد في تدبير وورع. فإن كان رغيفاً يابساً فإنّه قتر في معيشته. وإن أُعطي كسرة خبز فأكلها، دل على نفاد عمره وانقضاء أجله، وقيل: بل هذه الرؤيا تدل على طيب العيش. فإن أخذ لقمة فإنّه رجل طامع. والرغيف للعزب زوجة. والرغيف النظيف النضيج للسلطان عدله، وللتاجر إنصافه وللصانع نصحه. وحرارة الخبز نفاق وتحريم. فإن رأى رجل رغيفاً معلقاً في جبهته، دل على فقره، والخبز المتكرج مال كثير، لا ينفع صاحبه ولا يؤدي زكاته. وأما خبز الملة فهو ضيق في المعاش لآكله، لأنّه لا يخبزه إلا مضطر. ومن رأى أنّه يأكل الخبز بلا أدم، فإنّه يمرض وحيداَ ويموت وحيداً. وقيل: الخبز الذي لم ينضج يدل على حمى شديدة، وذلك أنّه يستأنف إدخاله إلى النار ليستوي. وقيل الخبز الحواري الحار، يدل على الولد. وأكل خبز الرقاق سعة رزق. وقيل إنّ رقة الخبز قصر العمر. وقيل إنّ الرقاق من الخبز ربح قليل يتراءى كثيراً.
وحكي أنّ رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأنّ في يدي رقاقتين آكل من هذه ومن هذه. فقال: أنت رجل تجمع بين الأختين.
والقرص ربح قليل والرغيف ربح كثير.
وأما المائدة، فقد روي أنّ بعضهم رأى كأنّ هاتفاً يسمع صوته ولا يرى شخصه يتلو هذه الآية: {اللهُمّ رَبّنَا أنْزلْ عَلَيْنَا مَائِدة مِنَ السّمَاءِ}. فقص رؤياه على معبر، فقال: إنك في عسر وتدعو الله تعالى بالفرج واليسر، فيستجيب لك. فكان كما قال. واختلف المعبرون في تفسير المائدة، فمنهم من قال المائدة رجل شريف سخي، والقعود عليها صحبته، والأكل منها الانتفاع منه. فإن كان معه على تلك المائدة رجال، فإنّه يؤاخي قوماً على سرور، ويقع بينه وبينهم منازعة في أمر معيشة له. والرغفان الكثيرة الصافية والطعام الطيب على المائدة، دليل على كثرة مودتهم، ومنهم من قال المائدة هي الدين.
وقد روي أنّ رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، رأيت البارحة مرجاً أخضر فيه مائدة منصوبة، ومنبر موضوع له سبع درجات، ورأيتك يا رسول الله ارتقيت السابعة، وتنادي عليها وتدعو الناس إلى المائدة. فقال صلوات الله عليه وسلامه: أما المائدة فالإسلام، والمرج الأخضر فالجنة، والمنبر سبع درجات فبقاء الدنيا سبعة آلاف سنة، مضت منها ستة آلاف سنة، وصرت في السابعة، والنداء فأنا أدعو الخلق إلى الجنة والإسلام.
ومنهم من قال: المائدة مشورة فيها يحتاج إلى أعوان من عمارة بلدة أو عمارة قرية.
ومنهم من قال المائدة امرأة رجل.
وحكي أنّ بعضهم رأى كأنّه يأكل على مائدة. فكلما مد يده إليها خرجت يد كلب أشقر من تحت المائدة، فأكل معه. فقص رؤياه على معبر فقال: إن صدقت رؤياك، فإنّ غلاماً من الصقالبة يشاركك في امرأتك. ففتش عن الأمر فوجده كما قال. وإن رأى الأرغفة بسطت على المائدة، فإنّه يظهر له عدو. وإذا رأى أنّه يأكل منها ظهرت المنازعة بينه وبين عدوه، على قول بعض المعبرين. وقيل إن أكل على المائدة أكلاً كثيراً فوق عادته في مثلها، دل ذلك على طول حياته بقدر أكله. وإن رأى أنّ تلك المائدة رفعت، فقد نفد عمره. وقيل إذا رأى كأنّ على المائدة لوناً أو لونين من الطعام، فإنّه رزق يصل إليه وإلى أولاده، بدليل قوله عزّ وجلّ: {أنْزل عَلَيْنَا مَائِدةً مِن السّمَاءِ}. وقيل المائدة غنيمة في خطر ورفعها انقضاء تلك الغنيمة. وقيل إنّها مأكلة ومعيشة لمن كانت له وأكل منها. فإن كان عليها وحده، فإنّه لا يكون له منازع. وإن كان عليها غيره، كان ذلك إخوان مشاركون. وكثرة الرغفان كثرة مودتهم، وقلتها قلة مودتهم. والرغيف مودة سنة، فإن رأى أنّه يفرش بطعام، فهو استخفافه بنعمة الله تعالى.
ورأى مملوك كأنّ مائدة مولاه قد خرجت وهربت كما يهرب الحيوان، فلما دنت إلى الباب انكسرت، فعرض له من ذلك أنّ امرأة مولاه ماتت من يومها وتلف كل ما كان لها، وكان ذلك بالواجب، لأنّه رأى المائدة التي يقدم عليها انكسرت.
وأما السفرة فسفر جليل ينال فيه سعة، وقيل هي سفر إلى ملك عظيم الشأن، ونيل سعة وراحة لمن وجدها، لأنّها معدن الطعام، والأكل.
والقصعة المتخذة من خشب، تدل على إصابة مال في سفر، والخزفية تدل على إصابته في حضر. وأواني الفضة كلها خدم في التجارة والدار، وخصوصاً السكرجات. وقيل القصاع والطاسات تدل على الجمال في تدبير معاش الإنسان.
والقدر قيّم دار كثير الانفاق، وقيل هي امرأة أعجمية، فمن رأى أنّه طبخ قدراً فإنّه ينال مالاً عظيماً من قبل السلطان أو ملك أعجمي. واللحم والمرقة في القدر رزق شريف مفروغ منه مع كلام وشرب.
والمغرفة قهرمان محسن يجري على يديه تفقه أهله.
والأثفية نفس الرجل، فكما أنّ قوام القدر بالأثافي، فكذلك قوام الأنفس بالمال.
والبزماورد مال هنيء لذيذ مجموع بغير كد. والكواميخ: كلها هموم وخصوم.
فمن أكل منها أصابه هم، وإن رآها ولم يأكل منها ولم يمسها، فإنه مال يخسر عليه. ومن رأى أنّه يشرب الزيت فإنّه يدل على سحر أو مرض.
والخل مال مبارك في ورع، وقلة لهو، وطول حياة لمن أكل بالخبز. والدردي منه مال ساقط قليل المنفعة، ذو وهن. وسكرجة الخل جارية رحيمة. وقيل إذا رأى الإنسان كأنّه يشرب الخل، فإنّه يعادي أهل بيته، وذلك للقبض الذي يعرض منه للفم. والمريء مرض. والصفن هم وحزن مع خصومة ومنفعة قليلة.
وأما الملح، فقد اختلف فيه، فمنهم من قال إنّ الأبيض منه زهد في الدنيا وخير ونعمة. وكرهه ابن سيرين. وقيل إنّ المبرز منه، هم وشغل وشغب ومرض ودراهم فيها هم وتعب. ومن أكل الخبز به، اقتنع من الدنيا بشيء يسير. والمملحة جارية مليحة، وقيل من وجد ملحاً وقع في شدة أو مرض شديد.
فأما اللحوم فأوجاع وأسقام، وابتياعها مصيبة، والطري منها موت، وأكلها غيبة لذلك الرجل الذي ينسب إليه الحيوان. والمالح من لحوم الشاء إذا أدخل الدار فهو خير يأتي أهلها بعد مصيبة كانت من قبل، بقدر مبلغه. والسمين منه خير من الهزيل، وإن كان من غير لحم الشاء، فهو رزق قد خمد ذكره. وقيل الهزيل رجل فقير، وقيل هو خسران.
والقديد غنيمة في اغتياب الأموات. وقيل من أكل اللحم المهزول المملح، نال نقصاناً في ماله.
ولحم الإبل مال يصيبه من عدو قوي ضخم ما لم يمسه صاحب الرؤيا، فإن مسه أصابه من قبل رجل ضخم قوي عدو. فإن أكله مطبوخاً أكل مال رجل ومرض مرضاً ثم برىء. وقيل من أكله نال منفعة من السلطان.
وأما لحم البقر فإنّه يدل على تعب، لأنّه بطيء الإنهضام، ويدل على قلة العمل لغلظه. وقيل: لحم البقر إذا كان مشوياً أمان من الخوف. وإن كانت امرأة صاحب الرؤيا حاملاً، فإنّها تلد غلاماً، لقوله تعالى: {أن جاء بِعِجْلٍ حَنِيذ}. إلى آخر القصة.
وكل شيء أصابته النار في اليقظة، فهو في النوم رزق فيه إثم. ومن رأى في النوم كأنّه يأكل لحم ثور، فإنّه يقدم إلى حاكم.
والعجل السمين الحنيذ بشارة كبيرة سريعة، وتكون البشارة على قدر سمنه، وقيل: إنه رزق وخصب ونجاة من خوف، والمطبوخ من لحم البقر فضل يسير إلى صاحب الرؤيا، حتى يجب للّه تعالى فيه شكر، لقوله تعالى: {وجِفَانٍ كالْجواب وقُدورٍ راسِياتٍ اعْمَلوا آل داوُد شكْراً}.
ولحم الضأن إذا كان مشوياً مسلوخاً، فرآه في بيته، دلت رؤياه على اتصاله بمن لا يعرفه ويعمل ضيافة لمن لا يعرفه، أو يستفيد إخواناً يسر بهم. فإن كان المسلوخ مهزولاً، دل على أنّ الإخوان الذين استفادهم فقراء لا نفع في مواصلتهم. وإن رأى في بيته مسلوخة غير مشرحة، فإنّها مصيبة تفجؤه. فإن كانت سمينة فهو يرث من الميت مالاً، وإن كانت مهزولة لم يرثه، وقيل: لحم الضأن إذا كان مطبوخاً، فهو مال في تعب، كحال النار. وإذا كان نيئاً فهمّ وخصومة، والفج غير النضيج، هموم وبغي ومخاصمات.
والعظام من كل حيوان عماد لما ملكته أيمانهم، والمخ من كل حيوان، مال مكنوز مدخور يرجوه. وقيل إنّ المسلوخ رديء لجميع الناس، ويدل على حزن يكون في بيت الرجل، وذلك أن الكباش تشبه بالناس، وليس تؤكل لحوم الناسِ. وكل اللحوم التي تؤكل جيدة خلا اليسير منها، وأما اللحم الذي يرى الإنسان أنّه يأكله نيئاً فهو رديء أبداً، ويدل على هلاك شيء يملكه، وذلك أنّ طبيعته لا تقوى على النيء وهضمه. وقال بعض المفسرين إنّما اللحم النيء رديء لمن يراه ولا يأكله، فأما من أكله فهو صالح له. فإن رأى أنّه أكل لحماً مطبوخاً ازداد ماله. فإن رأى أنّه يأكله مع شيخ ارتفع أمره عند السلطان.
وأما الجمل المشوي فقد اختلف فيه، فمنهم من قال إن كان سميناً فهو مال كثير، وإن كان مهزولاً فمال قليل ورزق في تعب. قال بعضهم: إنّ الجمل المشوي أمان من الخوف، وقال بعضهم: الجمل المشوي ابن، فإن رأى أنّه يأكل منه، رزق ابناً يبلغ ويأكل من كسب نفسه. وإن كان نضيجَاً، رزق ولده الأدب، وإن لم يكن نضيجاً لم يكن كيِّساً في عمله.
وقيل: إن أكل شواء السوق بشارة. فإن لم يكن نضيجاً فهو حزن يصيبه من جهة ولده. ومن رأى كأنّ ذراع الشواء كلمه، فإنّه ينجو من المهلكة، لقصة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذراع المسمومة التي كلمته.
وأما الرأس التنوري فرئيس، فمن رأى كأنّه اشترى رأساً سميناً كبيراً من رأس، استفاد أستاذاً نافعاً. وإن كان مهزولاً، فإنه غير نافع. فإن كان الرأس منتناً فإنّه يثني عليه ثناء قبيحاً. وأكل رؤوس الأنعام نيئاً، دليل على أنّه يغتاب رئيساً ينسب إلى ذلك الحيوان. وأكل المطبوخ والمشوي من الرؤوس انتفاع من بعض الرؤساء بمال. وقال بعض المعبرين: من رأى كأنّه يأكل رأس غنم وكراعه أصاب جاهاً ومالاً من إرث أو غيره. وقيل: رأس الشاة في التأويل مال، وهو عشرة آلاف درهم أكثرها، وأقلها ألف درهم. وأكل عيون الرأس المشوي، أكل عيون أموال الرؤساء. وأكل الدماغ أكل من صلب المال، ومن مال مدفون. فإن رأى كأنّه يأكل من دماغه أو دماغ غيره، فإنّه يأكل من صلب ماله أو مال غيره المدخور. فإن أكل مخ ساقه أكل مخ ماله.
وأكل الأكارع مختلف فيه، فمنهم من قال انّه أكل مال اليتامى، ومنهم من قال هو أكل أموال كبراء الناس، لأنّ الكراع مال، والغنم دليل على كبراء الناس.
وأكل جلد الجمل المسلوخ أكل مال يتيم. وأكل الكبد نيل قوة ومنفعه من جهة الولد. وأكل الامعاء صحة جسم وخير. والمصران المحشو من اللحم هو مال مدخور، وما كان فيه مال من قبل النساء.
ولحوم الطير إذ اكانت مطبوخة أو مشوية، رزق ومال من مكر وغدر من جهة امرأة. فإن كان غير نضيج، فإنّه يغتاب امرأة ويظلمها. فإن رأى كأنّه يأكل لحم طير مما لا يحل أكله، فإنّه يأكل من أموال قوم ظلمة مكرة.
وقيل إنّ أكل لحم الدجاج والأوز خير لجميع الناس، لأنّ لحم الدجاج يدل على منفعة من قبل النساء اللواتي هن أخص به، وذلك أنّ الدجاج يشبه بالنساء في الولادة والمشي، والأوز يدل على منفعة تكون من قبل أصحاب الرهن من الرجال. وفراخ الطير مشوياً أو مقلياً مال في تعب. فمن رأى أنّه يأكل فرخاً نيئاً فهو يغتاب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أشراف الناس. فإن كانت فراخ طيور شتى مما لا يؤكل لحمه من سباع الطير، فإنّه يغتاب أولاد سلاطين أويرتكب منهم فاحشة. والطيور التي يؤكل لحمها، فإنّها استفادة مال من ضيعة ألف درهم إلى ستة آلاف درهم، لأن لها ستة أعضاء، رأس وجناحين ورجلين وذنب.
وأما السمك، فقد حكي أنّ رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأنّ على مائدتي سمكة آكل أنا وخادمي منها من ظهرها وبطنها. قال: فتش خادمك فإنّه يصيب من أهلك. ففتش خادمه فإذا هو رجل.
والسمك المالح المشوي سفر في طلب علم، أو صحبة رئيس، لقوله تعالى: {نَسِيَا حُوتَهُمَا}. ومن أصاب سمكة طرية مشوية، فإنّه يصيب غنيمة وخيراً، لقصة مائدة عيسى عليه السلام، والسمك المشوي قضاء حاجة أو إجابة دعوة أو رزق واسع، إن كان الرجل تقياً. وإلا كانت عقوبة تنزل عليه. فإن رأى أنّه مرغ صغار السمك في الدقيق وقلاها بالدهن، فإنّه ينفق ماله في شيء لا قيمة له حتى يصير له قيمة ويصير لذيذاً شريفاً.
وقيل السمك محمود وخاصة المشوي منه، ما خلا السمك الصغار، فإنّ شوكها أكثر من لحمها، ويدل على عداوة بينه وبين أهل بيته، ويدل على رجاء شيء لا ينال. وأكل السمك المالح يدل على خير ومنفعة في ذلك الوقت.
وأما ذوق الأشياء فيختلف تأويله حسب اختلاف الأحوال، فإن رأى كأنّه ذاق شيئاً فاستلذه واستطابه، فإنّه ينال الفرج والنعمة، لقوله تعالى: {وإِنّا إذا أذَقْنَا الإنْسَانَ مِنّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا}. فإن رأى كأنّه ذاق شيئاً فوجد له طعماً مراً، فإنّه يطلب شيئاً يصيب منه أذى. فإن رأى كأنّه ابتلع طعاماً حاراً خشناً، دل على تنغيص عيشه ومعيشته.
وأكل الشيء اللذيذ، طيب العيش والمعيشة. فإن رأى أنّه ذاق شيئاً مجهولاً فكره طعمه، دل على الموت، لقوله تعالى: {كلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ}. وإن رأى أنّه ذاق شيئاً لم يكرهه ولم يستطبه، دل على فقر وخوف.
وأكل الشيء المنتن، ثناء قبيح. وإن دخل في فيه شيء مكروه، فهو شدة كره في معيشته. وإن دخل فيه شيء طيب الطعم لين محبوب سهل المسلك في حلقه فهو طيب المعيشة وسهولة عمله. فإن رأى في فمه طعاماً كثيراً وفيه سعة لأضعافه، تشوش أمره، ودلت رؤياه على أنّ قد ذهب من عمره قدر ذلك الطعام الذي فيه، وبقي من عمره قدر ما في فمه سعة له. فإن رأى أنّه عالج ذلك الطعام حتى تخلص منه، سلم، وإن لم يتخلص منه فليتهيأ للموت. ومن رأى أنّه يتلمظ فهو طيبة نفسه والتلمظ مص اللسان. والشعرة في اللقمة، هم وحزن وعسر، ولحس الأصابع نيل خير قليل من جنس ذلك الطعام الذي لحسه.
ومن رأى كأنّه يشرب الطعام كما يشرب الماء، اتسعت عليه معيشته. وكل الطعام رزق، ما خلا الهريسة والبيض والعصيدة، فإنّه غم من جهة أعماله في ذريته. فإن رأى أنّه يصلي ويأكل العصيدة، فإنّه يقبل امرأته وهو صائم.
وجامات الحلواء جوار ذات حلاوة. وأما الطباهجة، فمن رأى كأنّه اتخذها ودعا إلى أكلها غيره، فإنّه يستعين بالذي يدعوه على قهر إنسان. فإن رأى كأنّه يطعمه للناس، فإنّه ينفق مالاً في طلب تجارة أو تعلّم صناعة.
وأما الطعام الذي هو في غاية الحموضة حتى لا يقدر على أكله، فهو مرض أو ألم لا يقدر معه على أكل. ويدل أخذ الطعام الحامض من إنسان، على سماع الكلام القبيح، فإن رأى كأنّه يأخذه ويطعمه غيره، فإنّه يسمع ذلك المطعم مثله، وإن أكله أصاب حزناً أو مرضاً. وإذا رأى كأنّه صبر على أكله وحمد الله تعالى عليه، نال الفرج.
وأما السكباجة المطبوخة بلحم الغنم إذا تمت أبازيرها، فإنّ أكلها يدل على طيب النفس وتمام العز والجاه عند سادات الناس. وإذا كانت بلحم البقر، دل أكلها على حياة طيبة ونيل مراد من جهة عمال. وإذا كانت بلحم العصافير، دل أكلها على ملك وقوة وصفاء عيش وصحة جسم. وإن كانت بلحم الطيور، فإنّها تجارة أو ولاية على قوم أغنياء مذكورين على قدر كثرة الدسم وقلته.
وأما الزرباجة، إذا كانت بلا زعفران، فإنّها نافعة. وإذا كانت بالزعفران كانت مرضاً لآكلها. وكذلك كل ما كان فيه صفرة. وأما كل شيء فيه بياض من المعلومات وغيرها فإن أكلها بهاء وسرور، إلا المخيض، فإنّه لزوال الدسم عنه، والمضيرة قليلة الضرر، والكشك رزق في تعب ومرض. والكشكية إن كان فيها دسم، دل على تجارة دنيئة بمنفعة كثيرة. والثريد إذا كان كثير الدسم، فهي ولاية نافعة ودنيا واسعة، وإذا كان بغير دسم، فإنّه ولاية بلا منفعة. فإن رأى كأنّ بين يديه قصعة فيها ثريد يأكل منها، فقد ذهب من عمره بقدر ما أكل منها، وبقي من عمره بقدر ما بقي من الثريد، فإنّ الثريد في الأصل يدل على حياة الرجل. فإن رأى بين يديه قصعة فيها ثريد كثير الدسم حتى لا يمكنه أكله، دل على أنّه يجمع مالاً ويأكله غيره. فإن رأى كأنّ بين يديه ثريداً كثير الدسم وليس بطيب الطعم، وهو يسرع في أكله حتى يستريح منه، دلت رؤياه على أنّه يتمنى الموت من ضيق الحال. فإن رأى كأنّ بين يديه ثريداً وهو لا يأكل منه مخافة أن ينفدْ، فإنّه يخشى الموت مع كثرة ما له من النعمة. وإن كانت ثريدة بلا دسم وبلا لحم، دل على حرفة نظيفة وورع، فإن لم يكن فيها دسم البتة، دل على حرفة دنيئة وافتقار. فإن كانت الثريدة من مرقة طبخت بلحم بعض السباع، فإنَّ صاحبها يلي قوماً ظالمين على خوف منه وكراهية، أو يكون بينه وبين قوم ظالمين تجارة. وكون الدسم فيها دليل على تحريم منفعتها، وإن كانت بلا دسم فلا منفعة فيها. فإن كانت الثريدة من مرقة طبخت بلحم الكلب، دل على ولاية دنيئة على قوم سفهاء، أو تجارة دنيئة أو صناعة مع قوم سفهاء ذوي دناءة. فإن رأى كأنّه أكل الثريد كله فإنّه يموت على ذلك الهوان والفقر. وإذا كانت الثريدة من طبيخ سباع الطيور، فإنّها معاملة مع قوم ظلمة مكرة في مال حرام.
وعلى الجملة، انّ الثريد في الأصل حياة الرجل وكسبه ومعيشته، ومنافعها على قدر دسمها، وحلالها وحرامها على قدر جوهر لحمها.
وأما الأرزية، فمال من خصومة وهم، والنيء منه خسران ومرض.
وأما الحلوات والمطعومات، في الأصل إذا رأى الإنسان كأنّه أكلها، دل على طيب الحياة والنجاة من المخاطرات ونيل السرور والفرج.
وقصب السكر، تردد كلام يستحلى ويستطاب. والسكرة الواحدة قبلة حبيب، أو ولد. والسكر الكيثر يدل على قال وقيل.
وأما الشهد والعسل، فمال من ميراث حلال، أو مال من غنيمة، أو شركة. ومن رأى كأنّ بين يديه شهداً موضوعاً، دل على أنّ عنده علماً شريفاً، فإن رأى كأنه يطعمه للناس، فإنّه يقرأ القرآن بين الناس بنغمة طيبة. والعسل لأهل الدين حلاوة الإيمان، وتلاوة القرآن، وأعمال البر. ولأهل الدنيا، إصابة غنيمة من غير تعب. وإنّما قلنا انّ العسل يدل على القرآن لأنّ الله عزّ وجلّ وصف كلامه بالشفاء.
وحكي عن ابن سيرين أنّه قال: الشهد رزق كثير يناله صاحبه من غير تعب، لأنّ النار لم تمسه. والعسل رزق قليل من وجه فيه تعب.
فإن رأى كأنّ السماء أمطرت عسلاً، دل على صلاح الدين وعموم البركة، فإن رأى كأنّه أكل الشهد وفوقه العسل، فقد كرهه بعض المعبرين حتى فسره بنكاح الأم. وبلغنا أنّ رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رأيت ظلة ينطف منها السمن والعسل والناس يلعقونها، فمستكثر منها ومستقل. فقال أبو بكر: دعني أُعبرها، إنّما هي القرآن، وحلاوته ولينه، والناس يأخذونه، فمستكثر منه ومستقل.
وروي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت كأني في قبة من حديد، وإذا عسل ينزل من السماء فيلعق الرجل اللعقة واللعقتين، ويلعق الرجل أكثر من ذلك. ومنهم من يحسو. فقال أبو بكر رضي الله عنه: دعني أعبرها يا رسول الله. فقال: أنت وذاك، فقال: أما قبة الحديد فالإسلام، وأما العسل الذي ينزل من السماء فالقرآن وأما الذي يلعق اللعقة واللعقتين فالذي يتعلم السورة والسورتين، وأما الذين يحسونه، فالذين يجمعونه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدقت. وروي أنّ عبد الله بن عمر قال: يا رسول الله، رأيت كأن إصبعي هذين تقطران عسلاً، وأنني العقهما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تقرأ الكتابين.
ورأى رجل كأنّه يغمس خبزاً في عسل ويأكله، فصار محباً للعلم والحكمة، فانتفع بذلك وكثر ماله، لأنّ العسل دل على حسن علمه، والخبز على يساره.
وأما الترنجبين، فرزق طيب بلا منة أحد من المخلوقين، بدليل قوله تعالى: {وَأنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ المنَّ والسّلْوَى ڪُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}.
وأما التمر، فقد روي أنّ عمر رأى كأنّه أكل تمراً، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذلك حلاوة الإيمان. وأنواع التمر كثيرة، والتمر لمن يراه، يدل على المطر. ولمن أكله رزق عام خالص يصير إليه، وقيل: إنّه يدل على قراءة القرآن، وقيل انّ التمر يدل على مال مدخور. ورؤيا أكل الدقل يكون للذميين. وقيل من رأى كأنّه يأكل تمراً جيداً، فإنّه يسمع كلاماً حسناَ نافعاً. ومن رأى كأنّه يدفن تمراً، فإنّه يخزن مالاً، أو ينال من بعض الخزائن مالاً. ومن رأى كأنّه شق تمرة وميز عنها نواها، فإنّه يرزق ولداً، لقوله تعالى: {إنَّ الله فَالِقُ الحَبِّ والنّوى} الاية. ورؤيا أكل التمر بالقطران دليل على طلاق المرأة سراً. وأما رؤية نثر التمر، فنيّة سفر. والكيلة من التمر غنيمة. ومن رأى كأنّه يجني ثمرة من نخلة في إبانها، فإنّه يتزوج بامرأة جليلة غنية مباركة. وقيل: إنّه يصيب مالاً من قوم كرام بلا تعب، أو من ضيعة له، وقيل: يصيب علماً نافعاً يعمل به. فإن كان في غير أوانها فإنّه يسمع علماً ولا يعمل به. فإن رأى كأنّه جنى من نخلة عنباً أسود، فإنّ امرأته تلد ولداً من مملوك أسود. فإن رأى كأنّه جنى من نخلة يابسة رطباً، فإنّه يتعلم من رجل فاسق علماً ينفعه. وإن كان صاحب الرؤيا مغموماً نال الفرج، لقوله عزّ وجلّ في قصة مريم: {وهزِّي إليكِ بِجذع النّخْلَة}. وقيل التمر المنثور دراهم لا تبقى. ومن رأى أنّه يجنى إليه التمر، فإنه يجنى إليه مال من رجال ذوي أخطار يلي عليهم ولايه.
وحكي أنّ رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأنّي وجدت أربعين تمرة، فقالت: تضرب أربعين عصا. ثم رآه بعد ذلك بمدة فقال: رأيت كأني وجدت أربعين تمرة على باب السلطان. فقال: تصيب أربعين ألف درهم. فقال الرجل: عبرت رؤياي هذه المرة بخلاف ما عبرت في المرة الأولى. فقال: لأنّك قصصت علي رؤياك في المرة الأولى وقد يبست الأشجار وأدبرت السنة، وأتيتني هذه المرة وقد دبت الحياة في الأشجار. وكان الأمر في المرتين على ما عبره.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت كأنّ رجلاً أتاني فألقمني لقمة تمر، فذهبت أعجمها، فإذا نواة، فلفظتها. ثم ألقمني لقمة ثانية فإذا نواة فلفظتها. ثم ألقمني لقمة ثالثة فإذا نواة فلفظتها. فقال أبو بكر: دعني يا رسول الله أعبرها. فقال: عبرها. قال: تبعث سرية فيغنمون ويسلمون ويصيبون رجلاً، فينشدهم ذمتك فيخلونه. ثم تبعث سرية، وقال ثلاثاً، فقال صلى الله عليه وسلم: كذلك قال الملك.
ورأى أنس بن مالك في المنام كأنّ ابن عمر يأكل بسراً، فكتب إليه إني رأيتك تأكل بسراً، وذلك حلاوة الإيمان. وقيل: انّ رجلاً عارياً رأى كأنّ سلات من التمر البسر في نغض من بطون الخنازير، وهو يدفعها ويحملها إلى بيته. فسأل المعبر عنها، فعبرها غنائم من مال الكفار، فما لبث أن خرجت الروم وكان الظفر للمسلمين، ووصل إليه ما عبر له.
وسئل ابن سيرين عن امرأة رأت كأنّها تمص تمرة وتعطيها جاراً لها فيمصها، فقال: هذه المرأة تشاركه في معروف يسير، فإذا هي تغسل ثوبه.
وأتى ابن سيرين رجل فقال: رأيت كأنّ بيدي سقاء وفيه تمر، وقد غمست فيه رأسي ووجهي، وأنا آكل منه وأقول: ما أشد حموضته. فقال ابن سيرين: إنك رجل قد انغمست في كسب مال يميناً وشمالاً، ولا تبالي أمن حرام كان أمن من حلال، غير أنّي أعلم أنّه حرام. فكان كذلك.
فإن رأت امرأة أنّها تأكل التمر بالقطران، فإنّها تأخذ ميراث زوجها وهي منه طالق.
والعصيدة، غم من سبب غلمانه، فإن رأى كأنّه يأكل العصيدة أو الخبيص أو الفالوذج وهو في الصلاة، فإنّه يقبّل امرأته وهو صائم.
وأتى ابن سيرين رجل فقال: رأيت كأنّي أصلي وآكل الخبيص في الصلاة، فقال: الخبيص حلال ولا يحل أكله في الصلاة، وأنت تقبّل امرأتك وأنت صائم، فلا تفعل. وأما الخبيص، فاليابس منه مال في مشقة، والرطب منه مختلف فيه، فكرهه بعضهم لما فيه من الصفرة، وذكر أنّه يدل على المرض. وقال بعضهم: هو مال كثير ودين خالص، واللقمة منه قبلة من ولد أو حبيب، وقال بعضهم: إنّ الخبيص كلام حسن لطيف في أمر المعاش، وكذلك الفالوذج والخبيص يدل على رزق كثير في قوة وسلطنة لما مسهما من النار، فإن مس النار إياهما يدل على تحريم أو كلام أو سلطنة.
والزلابية: نجاة من هم ومال وسرور بلهو وطرب. وأما أوعية الحلاوى وجاماتها فإنّها تدل على جَوارٍ حسان مليحات.
والقطائف، المحشوة مال ولذاذة وسرور. واللبن الصافي مال في تعب لمس النار له.
تفسير الاحلام لابن سيرين – الباب السابع والعشرون: في الأطعمة و الحلاوى و اللحمان وما يتصل بها من القدر و المائدة و السفرة و القصاع و المغرفة و الأثفية